كانت البداية مجرد اتصالٍ سريع من مكتب نائب رئيس تحرير "الوطن" بالرياض، ولكن ذلك الاتصال تبعته بعد أيام قليلة رسالة تأكيد نصية، ثم رسالة أخرى قبل الموعد بيومٍ واحد، حينها رفعت سقف توقعاتي بأننا سوف نحظى ببرنامج عمل مثمر، عطفاً على الأسلوب الاحترافي الذي لمسته قبل الزيارة.
كانت الدعوة موجهة من إدارة الإعلام والنشر بمجلس الشورى لعددٍ من كتاب الرأي بالصحف السعودية، ممن لهم اهتمام بنشاط مجلس الشورى، حيث سعدت بمرافقة زميلي في الصحيفة الكاتب الدكتور أسامة القحطاني، وكذلك الصحفي اللامع "تركي الصهيل"، بالإضافة إلى نخبة من الزملاء كتاب الرأي في الصحف الأخرى. كان الموعد صباح الأربعاء الثاني من أكتوبر 2013م، وما إن وصلنا مقر المجلس حتى كان في استقبالنا شباب العلاقات العامة بالمجلس، الذين كانوا قمةً في الكفاءة وحسن التعامل، وكلها دقائق قليلة حتى وصل معالي رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ، الذي صحبنا في جولة سريعة إلى القاعة الرئيسية لاجتماعات المجلس، ثم التُقطت عددٌ من الصور التذكارية، تلاها انتقالنا إلى إحدى صالات اجتماعات لجان المجلس، رغم أننا كنا نعتقد أن اجتماعنا سوف يكون بأسلوب الطاولة المستديرة، الذي يساعد على سرعة النقاش وتداول الأفكار، لا أن ننتقل إلى قاعة مجهزة للاجتماعات الطويلة والتي يغلب عليها الطابع الخطابي، لكن هذا ليس كل شيء؛ إذ كنا نعتقد أن هذا الاجتماع سوف يخصص لمناقشة الاستراتيجية الإعلامية الجديدة للمجلس، بناءً على محاور النقاش التي سبق وأن أرسلت، ولكن ما حدث كان غير ذلك!
كانت البداية بكلمة ترحيبية خاطفة لمعالي رئيس المجلس، الذي تناول أهمية دور الإعلام بالتعريف بأدوار المجلس، وموقعه على خارطة تشريع وصياغة الأنظمة بالمملكة، لكن معاليه فجأةً غادر القاعة، دون إبداء أي سبب مقنع، على الرغم من أهمية الموضوع وحيويته على تحسين الصورة النمطية للمجلس، ومحاولة إيصال رسالته إلى عموم المواطنين، وضرورة أن يكون معاليه موجوداً في الاجتماع، لكن المشكلة الأخرى هنا أن النقاش الذي أداره معالي مساعد رئيس المجلس لم يلتزم بالمحاور المحددة سابقاً، بل فتح الباب واسعاً لمداخلات الحضور للحديث في كافة المحاور دون ترتيب، وللحق فلقد كان النظام الإلكتروني لترتيب وعرض المداخلات رائعاً جداً، لكن فتح الباب للمداخلات دون الالتزام بالمحاور والوقت؛ جعل الحوار ينحرف بسرعة من الاستراتيجية الإعلامية للمجلس إلى ملاحظات ورؤى الزملاء الكتّاب حول أداء المجلس وأعضائه الموقرين! مما جعل البعض يتحدث لمدة طويلة جداً بحديث إنشائي بعيدٍ عن هدف اللقاء، صحيح طرحت بعض الرؤى الإعلامية ولكنها كانت قليلة ولم تربط بالاستراتيجية، التي لم نسمع منها سوى منطلقاتها الأساسية، وهي منطلقات تنظيرية أكاديمية تفتقر إلى الفهم الواقعي للصورة الحالية للمجلس في الإعلام المحلي، ولدى المواطن البسيط، ذلك لأن مجلس الشورى يقوم بالكثير من المهام، وأنجز العديد من الأنظمة والتشريعات خلال الدورات الماضية، لكن للأسف هذا النشاط الكبير لم يصل صداه للمواطنين، الذين لا يزال كثير منهم غير مدرك لدور المجلس الحالي، فضلاً عن دور السادة الأعضاء، وبالذات أعضاء المجلس الجديد من النساء.
في هذا اللقاء طرح الزملاء الكتّاب رؤى وأفكاراً إعلامية جديرة بالدراسة والتطبيق، ومنها مداخلتي التي أكدت فيها على ضرورة البث المباشر للجلسات العادية للمجلس، حتى لو كانت طويلة وتحتوي على نقاشات فنية متخصصة، وعدم الاكتفاء بالرسالة الأسبوعية التي تعرض مقتطفات عارضة من نقاشات المجلس، وهي فرصة كبيرة لتوريث الخبرات وإشراك الفئات المهتمة في مداولات المجلس. وزاد زملاء آخرون باقتراح إمكانية إطلاق قناة تلفزيونية للمجلس، كما هي الحال بعض الدول، غير أن الهاجس الأساسي والذي سيطر على مداخلات البعض؛ هو الشح الشديد لمعلومات الأنظمة والتقارير التي يناقشها المجلس، على رغم أهمية توفيرها للباحثين والكتّاب، حتى يستطيعوا القيام بدورهم سواء بالتعليق أو الاقتراح، أو لفت النظر إلى نقص هنا أو خللٍ هناك، بدلاً من الاعتماد على التسريبات التي تعتمد على العلاقات الشخصية، وقد تكون نتيجتها معلومات ناقصة أو مشوّهة، كما طالب آخرون بأن تعقد الدائرة الإعلامية بالمجلس مؤتمراً دورياً لتقديم المعلومات الكاملة، والإجابة عن استفسارات المهتمين، دون إغفال تشجيع الأعضاء على التواصل مع وسائل الإعلام المختلفة، مما يزيد من إدراك المجتمع لمهام وواجبات عضو الشورى.
غير أن الأمر الجميل في هذه اللقاء عدم اقتصاره على الصحافة التقليدية، بل إن عدداً من المشاركين كانوا من الصحف الإلكترونية السعودية، الأمر الذي يجعلنا نتفاءل كثيراً نحو تفعيل وجود المجلس وأعضائه الكرام في قنوات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" وغيره، الذي كان محور عتبٍ كبير من قبل المشاركين، إذ لا يوجد حالياً حضور حقيقي للمجلس وأعضائه في قنوات التواصل الاجتماعي، على رغم أنها أكثر استخداماً في المملكة، عطفاً على أن الشباب أقل من 40 سنة يمثلون أكثر من 82% من مجمل السعوديين والسعوديات!
على رغم أن هذا اللقاء الأول لم يلبِ تطلعاتنا نحو مشاركة أوسع في صياغة استراتيجية إعلامية جديدة للمجلس، ولم يحدد موعداً لمناقشة الاستراتيجية بشكلها النهائي قبل تطبيقها؛ إلا أن مجرد الدعوة تعتبر خطوة أولى في طريق دعم مشاركة أكبر في صنع قرار المجلس، وهو أمرٌ يزيدنا تفاؤلاً بمستقبل المجلس، وتفاؤلاً أوسع بمزيدٍ من الاقتراب من هموم المواطنين والمواطنات.