لعل أفضل ما يقال في هذا وأنا رجل عمل في الطب والجراحة منذ أكثر من ثلاثة عقود إن هناك نجوما يهتدى بها في ظلمات الطب والجراحة في آيات مفصلات لقوم يعلمون، ومن هذه الحكم القريبة العظيمة التي تذكرنا بلقمان وهو يعظ ابنه فيقول يابني:
1 ـ إياك أن تقول لعملية إنها صغيرة حتى تخرج منها، فقد تدخل من أجل زائدة دودية لتنتهي باستئصال نصف الأمعاء؟
2 ـ إياك أن تنظر لساعة الحائط وكأنك في سباق الماراثون، فحياة المريض على المحك، العبرة في دقة وصحة الإنجاز، فقد تدخل عملية وأنت تحسب نصف ساعة فتخرج بعد خمس ساعات، وهي حالات نعرفها جيدا، ورأيناها رأي العين.
3 ـ قاعدة الجراح الياباني ناكاياما: لا تؤذي مكان التدخل الجراحي أكثر ما هو موجود في الإنسجة المصابة، إن كان ولا بد فاخرج على قاعدة البدوي؛ الظفر من الغنيمة بالإياب، كما لو رأيت ورما منتشرا في الكبد يكاد يتفجر منه؟ انتبه جيدا حتى في حال أخذ الخزعة، فقد رأيت في ألمانيا من مات على الطاولة بعد إدخال إبرة إلى الكبد لأخذ عينة من مكان المرض.
4 ـ لا تلعب ولا تعبث في مكان الدخول اعمل اللازم واخرج فالزايد أخو الناقص، مثل استئصال زايدة دودية متقيحة فكل لعب في المنطقة يقود لانتشار الالتهاب في البريتوان والأسوء حالة السرطان فيمكن زرعه في كل مكان. في الحالة الأولى قد يترتب عليه انسداد معوي. وفي الحالة الثانية كما حصل مع زميل لنا في ورم الجسم السباتي فكاد يموت المريض ويهلك وخرج بخرس وشلل؟
5 ـ اعتماد المنطقية في مواجهة الحالات، وارجع إلى الواقع أكثر من النصوص: بطن حاد إلى الجراحة ولو كانت فحوصات الدم طبيعية؟ رصاصة دخلت ولم تخرج: صور شعاعية من مفرق الرأس إلى أخمص القدم وهو ما حصل معنا.
6 ـ القرار الصعب ليس أن تجري الجراحة بل إن تقول لا جراحة. والويل لك إن أخطأت فسمعة الطبيب على المحك؟
7 ـ ليست روعة الجراحة في عملية كبيرة معقدة، بل الكشف عن الاختلاط في الوقت المناسب والسيطرة عليه. ومثال ذلك أحد مرضانا وانسداد شريان البطن عنده وكيف رفض أولاده العملية الجراحية حتى انتهى بقطع نصف الأمعاء. أو الدورة المعيبة لمرضينا الآخر بعد عملية مفاغرة الأمعاء المعدة فاضطررنا إلى فتح المريض مرة ثانية وتصليح العيب فنجا، لذا لا تخجل من مواجهة ما يحدث، لأن النتائج ستكون بالتغاضي أمر وأدهى حيث لا ينفع تداخل وعمل.
8 ـ السماع من الأصغر وممن يعرف البيئة المحيطة وأمراضها؟ ولو كان مقيما صغيرا يساعد في الجراحة؟ مثال: المريض الثاني بانسداد معوي من كتلة ديدان أسكاريس، فقد خطر في بال الجراح القادم من ألمانيا فتح المكان فحذره المقيم المصري الذي رأى مثل هذا، أما القادم من باريس وأورليانز وميونيخ وكندا فلا يشاهدون هذه الحالات قط.
9 ـ الأمانة للجراح ألصق من ظله، فإياك والغش والتدليس والكذب والتلاعب وإخفاء الحقائق فهي مهمة ولو كانت موجعة.
10 ـ المراجعة الدؤوبة في كل عمل، فهناك ما قبل وما بعد وبينهما، وعلى الطبيب مراجعة ومتابعة العلاج لأنها قد تنتهي حمدا أو كارثة فانتبه؟ اتبع المثل الروسي قيس تسع مرات قبل أن تقص مرة واحدة، ينطبق هذا على الشرايين الصناعية وقطع الأمعاء والكولونات وما شابه.. أو براغي العظم وخياطة الأوتار وترقيع الشريان والوريد.. لا تقطع بسرعة بل راجع ثم راجع ثم راجع..
يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير.