عندما أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين من السلطة في يوليو، انطلقت سلسلة من الأحداث أصبح لها الآن آثار كبيرة على تقدم سياسة إدارة أوباما في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبحسب مصادر متعددة مقربة من البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي، فإن الإطاحة بمرسي أنهت استراتيجية رئيسية لإدارة أوباما نحو المنطقة: تقديم الإخوان المسلمين على أنهم يمثلون قوة "معتدلة" داخل الإسلام السياسي.
تلك السياسة، المستندة إلى وثيقة تعرف بـ(PSD 11)، وصفت سياسة أوباما بأنها تتماشى مع الإخوان المسلمين وتعتبرهم الجناح "التقدمي" من القوى السياسية الإسلامية الصاعدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
الكاتب الأميركي دافيد إجناتيوس، الذي قضى أكثر من 30 سنة في الشرق الأوسط، كان أحد القليلين الذين كتبوا عن الوثيقة. في مقال له كتبه في مارس 2011 في صحيفة واشنطن بوست، بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك، كتب إجناتيوس:
"مع أن أوباما بدا متوافقا مع حكام المنطقة المستبدين، في أغسطس 2010، أصدر توجيه الدراسة الرئاسي PSD 11، مطالبا الوكالات بالاستعداد للتغيير. هذه الوثيقة أشارت إلى أدلة على تصاعد الغضب الشعبي من الأنظمة الإقليمية وحذرت من أن المنطقة تدخل مرحلة انتقالية حاسمة. الرئيس طلب من مستشاريه التعامل مع هذه المخاطر من خلال التوضيح لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاحتمال التدريجي والحقيقي لانفتاح سياسي أكبر وحكم أفضل".
خلفية هذه الوثيقة معقدة. في أغسطس 2010، حذرت الاستخبارات الأميركية من انفجار سياسي وشيك في مصر، يحيط الخلافة المحتملة من مبارك إلى ابنه جمال. الغالبية العظمى من المصريين، المحبطين بسبب اتساع الهوة بين أصحاب الثراء الفاحش والفقراء، كانوا مستعدين لفعل أي شيء لمنع الخلافة. كانت واشنطن بحاجة إلى استراتيجية جديدة، وأساس مثل هذا التحول من استراتيجية "حزام الاستقرار السني" القديم إلى الترويج لـ"الإسلام السياسي" كان متضمنا في خطاب أوباما في يونيو 2009 في القاهرة، حيث ذكر الموجة القادمة من الديموقراطية في المنطقة وأعطى مباركته الشخصية لها.
في أغسطس 2010، وقع الرئيس أوباما توجيه الدراسة الرئاسي PSD 11 الذي لا يزال سريا حتى الآن. وعلى الرغم من أن الوثيقة لم تنشر مطلقا، وصفت مصادر مطلعة في واشنطن السياسة بأنها تعتبر الإخوان المسلمين الجناح "التقدمي" للقوى السياسية الإسلامية الصاعدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) والاستخبارات الخارجية البريطانية (MI6) كلتاهما كانتا تتعاملان مع الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة. في حالة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، يعود التودد إلى الإخوان المسلمين إلى نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة. في ذلك الوقت، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية المشكلة حديثا، بتمويل الإخوان المسلمين على أنهم المتراس ضد انتشار الشيوعية السوفييتية. علاقات بريطانيا مع حركة الإخوان المسلمين تعود إلى عقود قبل ذلك، إلى مرحلة تأسيس الإخوان في منطقة قناة السويس التي كانت تحت سيطرة بريطانيا في العشرينات من القرن العشرين.
عندما انفجرت الأحداث المعروفة باسم "الربيع العربي" في تونس في أواخر عام 2010، وفي مصر في بدايات 2011، لعبت وثيقة PSD 11 دور الدليل للدبلوماسيين والجواسيس والعسكريين الأميركيين. استنادا إلى النجاح المزعوم لحكومة أردوغان في تركيا، تولدت رؤية لدى إدارة أوباما بكتلة من الدول تمتد من تونس إلى ليبيا إلى مصر وعبر ذلك إلى سورية وتركيا.
تلك السياسة الأميركية احترقت الآن. انهيار حكومة الإخوان المسلمين في مصر كانت هي اللحظة الحاسمة التي أثبتت خطأ الذين كتبوا وثيقة PSD 11 –مستشارو الرئيس الأميركي دنيس روس، سمانثا باور، وجايل سميث. بدلا من الانطلاق نحو عهد من "الديموقراطية" على النموذج الأميركي في شمال أفريقيا والشرق الأدنى، وصلت حكومة مرسي إلى السلطة وتسببت بزيادة الظروف الاقتصادية سوءا في مصر. مرسي والإخوان فشلوا في تنفيذ أي وعد لإعادة بناء الاقتصاد المصري وإنهاء فساد عهد مبارك. وما هو أسوأ من ذلك، خرق الإخوان اتفاقاتهم مع الجيش المصري.
في واشنطن، تحركت مجموعة من الذين يصفون أنفسهم بأنهم "واقعيون" لتملأ الفراغ الذي أوجده فشل رؤية PSD 11. تم إعطاء الجيش المصري تأييدا مشروطا بالقيام بإصلاحات دستورية وانتخابات جديدة. في سورية، "الواقعيون" أنفسهم في إدارة أوباما -بقيادة رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي ووزير الدفاع تشوك هيجل ووزير الخارجية جون كيري- استخدموا الطلاق بين واشنطن والإخوان المسلمين لتحويل الدعم فقط إلى المكون الأكثر علمانية بين المتمردين في سورية، الذي يتركز في الجيش الحر. بالإضافة إلى ذلك، كان "الواقعيون" في إدارة أوباما ضد أي تدخل عسكري أكثر عمقا في المستنقع السوري. عندها سحب الرئيس أوباما أوامره بالضربة العسكرية ضد سورية، وتوجه عوضا عن ذلك إلى الكونجرس للحصول على تفويض منه. لكن الكونجرس، لمعرفته بالمعارضة الشعبية الواسعة، لم يعط الرئيس تفويضا باستخدام القوة العسكرية. عند ذلك تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووعد بأن تضع سورية أسلحتها الكيماوية تحت الرقابة الدولية إذا ألغى أوباما الضربات العسكرية.
في البنتاجون، كان يشار إلى التحول من حرب وشيكة إلى دبلوماسية أميركية روسية مشتركة على أنه: "انقلاب ناعم". في الواقع، السياسة الأميركية الفاشلة، التي تتمحور حول وثيقة PSD 11 التي تبارك الشراكة بين واشنطن والإخوان المسلمين، تم التخلي عنها.
نتائج هذا التحول في السياسة لا تزال واضحة وقد يستغرق الأمر شهورا أو سنوات لمعرفة النتيجة النهائية. لكن ما هو أكيد حاليا، هو أن علاقة الحب بين إدارة أوباما والإخوان المسلمين قد انتهت.