وللعلم أولا، فإن "الشيوخ" في العنوان بعاليه لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بـ"الشيخة" ولا بالمشيخة عندنا، وإنما هي محاولة ظريفة وطريفة لتشبيه النرويجيين "الشُقر" بالعرب منذ أصبح النفط عاملا مؤثرا في الاقتصاد النرويجي، مع كون اكتشافه جاء متأخرا في السبعينات إلا أنها تُعد اليوم أكبر منتج للنفط في أوروبا والخامس من حيث التصدير عالمياً، وثالث أكبر مصدر للغاز في العالم، ومع ذلك هي ليست عضواً في "الأوبك"، كما أنها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، والنرويج تحتل موقع رابع أعلى معدل دخل في العالم، والأهم من ذلك كله احتلالها المركز الأول على مستوى العالم في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمدة أحد عشر عاما من 2001- 2006 ومن ثم استعادت هذه المرتبة في عام 2009 وحتى 2013.

واللافت أن مملكة النرويج تكاد تكون الدولة الوحيدة في أوروبا التي لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية؛ فالنفط عندما دخل حياتهم لم يفقدهم توازنهم بل جعلوه عنصرا مساندا واتخذوا قرارا بتقليصه في الموازنة العامة وحولوا عوائده إلى صندوق سيادي، التجربة النرويجية هي تجربة رائدة في تعاطيها مع صناعة النفط وتستحق دراستها بعمق خصوصا في دول الخليج العربي.

أوسلو العاصمة النرويجية هي إحدى أكثر العواصم الأوروبية قبولاً للآخر، ويعد الإسلام ثاني أكثر الأديان انتشاراً يُمارس بشكل رئيسي من قبل المهاجرين العرب والصومال والألبان والأتراك فضلا عن النرويجيين من أصل باكستاني، أما المجتمع النرويجي فهو مجتمع متسامح ومتقدم وتعددي ولكن قيم السلام تلك، خضعت لاختبار قاس قبل سنتين، وتحديداً في 21 يوليو 2011، عندما هزت النرويج أكبر مذبحة في التاريخ ينفذها شخص واحد يدعى "أندروس بيرينج برييفيك" قتل فيها 77 شابا، الشاب النرويجي يبلغ من العمر 32 عاماً أشقر الشعر وأزرق العينين يوصف بأنه يميني مسيحي متطرف، يحمل مشاعر عدائية للمهاجرين الأجانب وبخاصة المسلمين ويرى في هذا الكم الكبير من المهاجرين إلى أوروبا خطراً يهدد مستقبل القارة الأوروبية، ويسبب خللاً في التركيبة السكانية في ضوء تكاثر العنصر الأجنبي وتناقص النسل الأوروبي، والحال أنها نسبة لا تستدعي التخوف من الأجانب ولا تبرر الفزع على الهوية والتركيبة السكانية إذ إن عدد السكان في النرويج 5 ملايين ويعيش فيها نصف مليون مهاجر أي ما يمثل 10% نصفهم أوروبيون، إذن هي مبررات واهية يحاول ترويجها تحالف اليمين الأوروبي المتطرف تحت شعار محاربة "أسلمة أوروبا".

التساؤلات المطروحة على الساحة النرويجية هي بوجه خاص: إذا كان هذا الشاب النرويجي المتطرف معادياً للأجانب والمسلمين فلماذا يلجأ إلى قتل أكبر عدد من بني جنسه ودينه؟! ما ذنبهم؟! مع العلم بأن مرتكب هذه المجزرة شاب متعلم، منفتح على العالم، يعيش اقتصادياً في أحسن مستوى ويتمتع بكافة الحقوق، نعم هو التطرف والإرهاب الذي ليس له دين ولا وطن، ولكن المجتمع النرويجي لم يثنه تصاعد التيارات اليمينية المتطرفة عن مبادئه العليا في إرساء السلام واحترام حقوق الإنسان، فقد تم قبل عدة أشهر اختيار أول وزيرة مسلمة «هادية طاجيك» باكستانية الأصل لتكون وزيرة للثقافة رغم صغر سنها إذ تبلغ من العمر 29 عاماً فقط. أعلنت الوزيرة المسلمة عن برنامجها الذي قالت إنه سيراعي التنوع الثقافي في المجتمع، الذي أصبح جزءاً من حياة النرويجيين اليومية. وتعترف «طاجيك» بالسياسات التعددية الثقافية، وبالتنوع المجتمعي، كما تسعى إلى حماية حقوق الأقليات المتنوعة ثقافيا وعرقياً، وتعمل على وضع قوانين تعترف مثلاً بحق المسلمين في ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

وأخيرا أقول: أليس جديرا بهؤلاء النرويجيين أن يكونوا شيوخا للغرب؟