كان جيل الأجداد، والآباء يرددون بعض العبارات التي تحتوي على "الطائر الأزرق" عندما يُطلب منهم أبناؤهم بعض الطلبات؛ فكانت إجاباتهم إذا جاء "الطائر الأزرق"، أو إذا قاله "الطائر الأزرق"، وهذه الإجابة تدل على عدم القبول بهذه الطلبات، وتدل على أنها لن تتحقق، لأن "الطائر الأزرق" كان ضربا من الخيال، وغير موجود، أو غير معروف في ذلك الوقت، وفي هذه الأيام يحلق "الطائر الأزرق" حولنا، بل في منازلنا، ومكاتبنا، وفي أجهزتنا الخلوية، إنه "تويتر"، وحقيقة أنه ليس بأزرق بل الرمز يشمل الطائر في مستطيل أزرق، فأُطلق عليه تجاوزا الطائر الأزرق، وأصبح لا غنى لنا عنه، حتى وصل الحد ببعضنا إلى الإدمان في استخدامه، وينطبق ذلك على وسائل الاتصال الأخرى، ووسيلة التواصل الاجتماعي "تويتر"، أو ما يسميه جيل اليوم "بالطائر الأزرق" من أكثر الوسائل المستخدمة في هذه الأيام، وحقيقة الأمر أن هذه الخدمة أتاحت التواصل بين أفراد المجتمع، ولكنه تواصل من نوع آخر، فهو تواصل عن بعد بالرغم أنه قرّب بين الناس في الزمن بالدرجة الأولى، والآلية التي تعمل بها هذه الوسائل أدت إلى تقليص المسافات الطويلة، بل إلغائها لتحقيق التواصل السريع جدا، وغير المكلف، وحقيقة الأمر أن هذه الخدمة جميلة جدا إذا أُحسن استغلالها، وانتشر استخدامها بين أفراد المجتمعات المختلفة بلغاتها، كما يستخدمه أفراد الأسرة الواحدة في المنزل الواحد في التواصل، وتحقق هذه الخدمة التواصل بين أفراد المجتمع، ولكنه تواصل افتراضي من خلال محتوى رقمي، أو صورة، أو مقطع.

أما التواصل الحقيقي فقد تأثر بدرجة كبيرة، وفي بعض الأوقات قد يكون معدوما، كذلك تأثر مستوى الحوار المباشر على مختلف المستويات، ومنها الحوار، أو التواصل الأسري؛ فكثير من الأوقات نجد أفراد الأسرة الواحدة في الجلسة الواحدة وفي الوقت الواحد كل مشغول بهاتفه الخلوي، ومتابعة نواتج وتغريدات الطائر الأزرق، كما تتيح هذه الخدمة وجود مجموعات تواصلية، وقد يكون هناك عدد من المجموعات لدى الشخص الواحد، ومتابعة ما تبثه هذه المجموعات من تغريدات، والمشاركة فيها يتطلب وقتا طويلا، وقد تحول دون تفاعل أفراد الأسرة، وتحاورهم.

الجانب الآخر الذي قد يؤخذ على هذه الخدمة التواصلية هو أنه بإمكان أي شخص أن يطلق تغريدة، أو "هاشتاق" حيال موضوع ما وقد يبالغ في عرضه، أو يقدم معلومات مغلوطة، أو غير صحيحة، ويصدقها البعض، وقد تنتشر بشكل سريع بين أفراد المجتمع، وتكون لها آثار سلبية، والأمثلة على هذه الجوانب عديدة ومنها ما يتم بين طلاب المدارس، وطلاب الجامعات، وأفراد، وموظفي بعض القطاعات، أو الإدارات حيال مستوى بعض الخدمات، أو الطلبات، أو الممارسات، كما أن أغلب الثورات التي مرت بها العديد من الدول كانت بدايتها من هذا النوع من التغريدات، والعمل على إعادة تغريدها، وانتشارها بشكل كبير، وسريع، وقد يقوم شخص ما بإنشاء حساب باسم شخص آخر، ويعرض تغريدات غير مقبولة من هذه الشخصية، وهي منها براء، وأنا هنا لست ضد التوظيف الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، بل أرى أن من الضروري أن يراجع الشخص نفسه، ويحاسبها قبل أن يصدر تغريدة، أو يسوق لأفكاره، وخدماته التي قد تكون غير جيدة، أو غير حقيقية، ويعمل على خداع الناس بما ينشره من خلال هذه الوسائل، وهذا من وجهة نظري على الأقل استغلال غير جيد، أو سلبي لهذه الخدمة، أو الوسيلة، أو التقنية، ويجب محاسبة من يعبث بها.

والجانب الآخر الذي قد يستغله البعض هو أن هذه الخدمة لا يمكن التحكم فيها بدرجة كبيرة، كما أنها سريعة الانتشار، ونتيجة لذلك قد يتم استغلالها، أو استخدامها من قبل الأفراد المجهولين، أو المجموعات، أو التنظيمات المشبوهة، أو المحظورة للتواصل بين أفرادها، وتنفيذ مخططاتها الإرهابية، وهنا لا بد من التوعية المكثفة لأفراد المجتمع من مخاطر الاستغلال غير الجيد لـ"الطائر الأزرق" وغيره من الطيور، وتتحمل جميع مؤسسات المجتمع مسؤولية التوظيف غير الجيد لهذه الوسائل بدءا بالبيت من خلال تقنين استخدام الإنترنت في المنزل بالمراقبة، وتوعية أفراد الأسرة بالأضرار التي قد يتعرض لها أي شخص من خلال الاستخدام السيئ لها، ويتوقع من مؤسسات التعليم العام، والعالي أن تخصص وقتا معينا في طابور الصباح في المدارس، أو أي وقت آخر في المناسبات الثقافية لمناقشة هذا الجانب من قبل شخص يعطي أمثلة واقعية من الميدان للآثار السلبية للإفراط في استخدام هذه التقنية، كما أن إمام المسجد قد يتعرض لهذا الموضوع في إحدى خطب الجمعة، ويوضح الإيجابيات ويعززها، والسلبيات ويحذر منها، ووسائل الإعلام أيضا مطالبة بطرح هذا الموضوع بشكل موسع، ومناقشته من كافة جوانبه.