منذ خمسين عاماً، وأبناء مكة المكرمة والعديد من الحجاج يتسابقون للعلاج في إحدى بعثات الحج الصحية التابعة لبعض الدول الإسلامية، وكانت بعثة الحج المصرية على قائمة البعثات الصحية، وكذلك البعثة الصحية الإندونيسية والإيرانية والكويتية والتركية وغيرها.

وتتولى هذه البعثات الطبية معالجة حجاجها مجاناً، وتفتح باب العلاج لأبناء المملكة، ومنهم أبناء مكة المكرمة والمقيمون خلال فترة الحج، وتتضمن هذه البعثات الطبية مجموعة من أفضل الدكاترة المتخصصين والعديد منهم يأتون تطوعاً لخدمة حجاج بيت الله الحرام.

وقد عايشت شخصياً خدمات هذه البعثات الطبية وتعالجتُ وتعالج بعض أفراد أسرتي لدى بعض من الدكاترة المتخصصين المشهورين الذين يعلن عنهم أنهم ضمن بعثة الحج للدولة المعينة.

وكانت بعثات الحج الصحية تقوم بدور كبير ومساند لجهود وزارة الصحة السعودية التي تقوم بجهود جبارة خلال فترة الحج، وتقدم خدمات صحية مجانية لجميع الحجاج، إلا أن زيادة أعداد المرضى من الحجاج يفوق ـ أحياناً ـ الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والمراكز والمستوصفات الصحية،

واقتراحي اليوم ينطلق من فكرة بعثات الحج الصحية للدول الإسلامية، ويقوم على الاستفادة من الكفاءات الصحية الطبية المتخصصة العربية والإسلامية الموجودة في أوطانها أو المهاجرة في غير أوطانها، مثل: أوروبا وأميركا وغيرهما، والتي أبدعت وأبهرت العالم الآخر بعلمها وتفوقها الطبي. فكم من دكاترة مصريين وفلسطينيين وسوريين وعراقيين ومغاربة وأفارقة مسلمين وباكستانيين وهنود وماليزيين وإندونيسيين وسعوديين تعلموا ودرسوا وعملوا في المجال الطبي، ولهم سمعتهم وتاريخهم وإنجازاتهم العلمية، وهم يتطلعون إلى أن يخدموا العالم الإسلامي وحجاج بيت الله، سواء بالعمل موقتاً أم جزئياً أم تفرغاً، شريطة توافر الإمكانات المناسبة والأجواء الجيدة للخدمة العلمية والعملية. وهذا هو اقتراحي؛ وهو تبني البنك الإسلامي للتنمية إنشاء مركز طبي وبحثي إسلامي في مكة المكرمة، وليكن عند بوابة حدود مكة المكرمة ليقدم الخدمات الطبية والبحث العلمي، ويستقطب العلماء من الأطباء المسلمين من مختلف أنحاء العالم الذين يتمنون أن يخدموا المسلمين في مكة المكرمة كسباً للأجر المضاعف، بشرط أن يفتح المجال لهذا المركز الطبي الإسلامي باستقدام جميع المسلمين، سعوديين وغير سعوديين، حجاجا ومعتمرين، وخلال فترة الحج تجمع جميع بعثات الحج الطبية في هذا المركز الطبي، وتوفر الخدمة للجميع، على أن يربط هذا المركز بمكة المكرمة بقطار كهربائي سريع أو بقطار الحرمين، وتكون إحدى محطاته أمام هذا المركز الطبي.

إن اقتراحي للبنك الإسلامي للتنمية ينطلق من دوره التنموي من خلال مؤسساته المتعددة ومنها المؤسسة الإسلامية لتمويل القطاع الخاص، وبالإمكان أن تكون شركة إسلامية مساهمة يتبنى البنك الإسلامي دراسة الفكرة وجدواها الاقتصادية والتصريح لها وأخذ الموافقات الرسمية من الحكومة السعودية، على أن تقدم الحكومة السعودية الأرض المجانية والخدمات المساندة.

إن تجربة البنك الإسلامي في مشاريعه التنموية في الحج، كان لها دور إنساني امتد أثره إلى جميع الفقراء في دول العالم الإسلامي؛ فمشرع الأضاحي.. تجميعها وتبريدها وتصنيع بعض منها، ثم توزيعها على الفقراء، فكرة رائدة، إذ تمت الاستفادة من الأضاحي التي كانت تهدر وترمى ثم تلوث البيئة، وهناك غيره من المشاريع التنموية ذات البعد الإنساني في العالم الإسلامي. فهل يتبنى البنك الإسلامي للتنمية هذا المشروع الطبي العملاق لخدمة المسلمين ويأخذ المبادرة في الدراسة، لا سيما أن العالم الإسلامي مملوء بالكفاءات الطبية المتخصصة التي تبحث عن فرص لتقدم علمها وخبرتها فيه.

إن الخدمات الطبية في المملكة تحظى بدعم خادم الحرمين الشريفين ولها أولوية، ووزير الصحة السعودي يعد من رواد دعم إنشاء المزيد من المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة والعديد منها تحت الإنشاء.

ورغم علمي بأن هناك عدداً من المستشفيات في طور الإنشاء في مكة المكرمة، وبعضها في مراحله الأخيرة، وعلى وجه الخصوص توسعة المستشفى التخصصي بمكة المكرمة، إلا أن الحاجة المستقبلية تتطلب المزيد، وزيادة عدد المعتمرين والحجاج مستقبلاً تتطلب إنشاء المزيد من المستشفيات العامة.

إن فكرة توحيد الجهود الصحية في الحج، وتجميعها في مركز صحي إسلامي واحد، قد تكون أجدى من حيث توفير الجهود والإمكانات وإتاحة الخدمة للجميع.