المتابع لأعمال الفنان التشكيلي السعودي "زمان جاسم" يلحظ تقدما واضحا من مرحلة إلى أخرى. عشق "جاسم المولود" في مدينة الخبر عام 1971 الفن ومارسه منذ نعومة أظفاره خلال مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط، إلا أن التحاقه بمعهد التربية الفنية في الرياض 1989، كان بمثابة النقلة النوعية، حيث الدراسة الأكاديمية المتخصصة والمعمقة، فشارك خلال دراسته وبعد تخرجه في كثير من المعارض التشكيلية المحلية والخليجية والعربية، وعرضت أعماله في عدد من البيناليات التشكيلية. وعن تلك الفترة يقول رئيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية – سابقا - الفنان عبدالرحمن السليمان: "ما يميز أعمال جاسم وخاصة تلك التي رسمها خلال التسعينات الميلادية إحساسها الشرقي الذي يستشفه من المزاج الشعبي للتصميمات المنسوجة للمرأة، ويقيم على هذه القاعدة تنويعاته وتشكيلاته وتلويناته الزاهية".

أما الدكتور محمد الرصيص، فعده من فناني الجيل الرابع في كتابه "تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية"، الذي يشمل الفنانين من مواليد السبعينات من القرن العشرين وبدأ إنتاجهم الفني يظهر خلال منتصف السبعينات وما بعدها.

أقام جاسم خلال مسيرته التشكيلية 13 معرضا شخصيا خارجيا في (باريس، والمنامة، ومسقط، ودبي)، وأخرى داخلية نذكر منها معرض الخبر 2009، ومعرض جدة 2001، وآخرها معرض (أسرار) في غاليري الفن النقي بالرياض واحتوى على 50 عملا تشكيليا متنوعا من حيث الموضوع والفكرة والتقنية، الذي يعد من أهم محطات "جاسم" الفنية كونه خليطا من عدة تجارب نفذها خلال السنتين الماضيتين وجمع بين لوحات الحامل المشدودة على القماش التي تصور التراث والخط العربي القاعدي وفق أسلوب تجريدي مموسق، وبين الأعمال المنفذة على خامة الورق بأحجام صغيرة وتقنيات لونية معاصرة استخدم فيها بعض المعاجين والوسائط المختلفة. أما تجربة (الآخر) فتعد من التجارب المهمة في هذا المعرض، استخدم فيها خامة "الفايبر جلاس"، إلى جانب الألياف الزجاجية بعد طبعها على الأطباق الفضائية (الستلايت) فجاءت شبيهة بالقباب في العمارة الإسلامية ومن ثم استخدمها كرسائل سلام إلى الآخر. وبعد سؤال جاسم عن السر وراء استخدامه لهذه الأطباق أجاب بقوله: ليست للطبق قيمة فنية أو جمالية مباشرة وإنما هو مجرد لاقط "وسيط" لإيصال المعلومة أيا كانت وتتحكم فيه قوى مختلفة التوجهات والأهداف، وقد باتت أسهل وأقرب وسيلة لتغذية أفكار وعقول المجتمعات بأسرها، فالحرب الحقيقية التي نعيشها الآن هي "الإعلام"، لذا أحببت أن أسلط الضوء على هذا الجانب المهم. هذه التجربة تقول عنها أمجاد حسن عبد العال: إن التوجه الكائني في تجربة "الآخر" خرج بالمصنوع العادي إلى مُصنَّع غير اعتيادي، فضم الموروث كأنما يضم لهجات الناس عامة في لسان ذات جزر أو مجزرة ذات مجاعة والمصنوعة ذات مد أو قيد لمناعة محتملة أو مشروع صناعة. بينما يرى الناقد التشكيلي أحمد خوجلي، بأن جاسم في تجربته الأخيرة يبحث عن الملمس في لوحاته حتى وصل بها إلى التجسيم بعيدا عن الإطار التقليدي للشكل المربع والمستطيل، كونه فنانا غير اعتيادي لأنه ليس حياديا في طرحه الفكري، فهو فنان ينطلق من رؤى خاصة وفلسفة جمعية يجوب بعينه الثاقبة وسط الأسواق التقليدية، يستخلص ألوانه من بين ركام الأقمشة وأثواب النسـاء المزركشة بالألوان.