نشرت صحيفة الرياضية بتاريخ 22 سبتمبر الماضي، خبراً أثار اهتمامي خصوصاً وأنني عملت لفترة وكيلا للتخطيط والتطوير بوزارة التربية والتعليم، ذلك أن الخبر يتحدث عن مشروع "تطويري" وهو المشروع الوطني لتطوير الألعاب المائية (السباحة، كرة الماء، الغطس) لغاية محو أمية السباحة لفئتي الأطفال والشباب كأولوية كما يبدو لي على اعتبار أنهم القاعدة السكانية الأكبر وعلى اعتبار أن الرئاسة العامة للشباب معنية بهم بالدرجة الأولى وأنهم الفئة الواعدة القادرة على تحقيق البطولات.

المشروع أيضاً ـ كما يتضح ـ يستهدف تطوير عناصر منظومة الألعاب المائية لتلعب هذه المنظومة (منتجين لخدمات الألعاب المائية، ومستهلكين لها، ووسطاء، هيئات منظمة) بشكل دائم وتلقائي، دورها برعاية الشباب السعودي بتمكينهم من استثمار أوقاتهم الحرة بما هو نافع ومفيد لهم في المجالات الصحية والنفسية والاجتماعية والتربوية والرياضية والدفع بالموهوبين والمتميزين منهم في أي من هذه الألعاب نحو منصات التتويج.

ولا شك أن الألعاب المائية التي تنطلق من القدرة على السباحة وممارستها بمهارة ولأوقات طويلة بجسم سليم معافى ولياقة بدنية عالية، تعتبر أحد المجالات الرياضية المهمة التي تتميز بمنظومة كبيرة من القيم الرياضية المضافة كالمحافظة على الصحة واللياقة، وتدريب النفس وتربيتها على الصبر والانضباط والعمل بروح الفريق والعزيمة والإصرار، وارتفاع مستوى السلامة، حيث يستطيع السباح الماهر التعامل مع حوادث الغرق المفاجئة في المسطحات المائية الخاصة أو العامة أو عند التورط بظروف مناخية غير ملائمة كالسيول وما شابهها.

مشروع تطوير الألعاب المائية نقلة نوعية في تطوير الألعاب؛ ذلك أنه لم ينطلق من تطوير الفروع بل اتجه لتطوير القاعدة التي تنبثق منها الفروع، حيث اتجه لتطوير منظومة عناصر سوق الألعاب المائية التي ما أن تُنَظّم وتعمل وفق منهج تطويري مخطط ومرحلي ومُتابع ويشعر كافة عناصرها بالحماية النظامية، حتى تبدأ مسيرة تراكم قوتها لتصبح بمرور الزمن محركا جبارا قادرا على النهوض بمهامه برعاية الشباب رياضياًّ وصحياًّ وتربوياًّ واجتماعياًّ ونفسياًّ من جهة، وقادرا أيضاً على اكتشاف واستقطاب وتأهيل المواهب المتميزة في أي لعبة مائية والدفع بها لمنصات التتويج عبر مراحل تأهيلية بشكل دائم وتلقائي، بعيداً عن عالم الصدف والمفاجآت كما هو الوضع القائم بالنسبة لكثير من الألعاب من جهة أخرى.

وهذا ما حدث في إسبانيا في مجال كرة القدم، حيث طورت منظومة عناصر منظومة سوق رياضة كرة القدم من منتجين ومستهلكين ووسطاء وهيئات منظمة ما أدى لتراكم قوته بمرور الزمن حتى أصبح الدوري الإسباني الأكثر تميزا والأكثر شهرة دولياًّ، كما أصبح ناديا ريال مدريد وبرشلونة أندية عالمية يتابعها معظم شباب العالم، كما أصبحت عناصر سوق كرة القدم تدفع بالمواهب المميزة للمنتخب بشكل دائم وتلقائي، وكان محصلة ذلك فوز إسبانيا في كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، وهنا يتضح أهمية الصبر واحترام عنصر الوقت، حيث إن هذا الفوز كان محصلة جهود أخذت أكثر من عقدين من الزمن على أقل تقدير.

وإذا أخذنا التجربة الإسبانية كنموذج، فإنني أجزم أن المشروع الوطني لتطوير الألعاب المائية ذو "فاعلية" عالية لأنه يسير في الاتجاه السليم الذي طالما رغبنا أن تسير به كافة الألعاب، ودليل فاعلية المشروع أنه اتجه لتوسيع قاعدة السباحين انطلاقا من الأطفال صغار السن بتعليمهم السباحة وتحفيزهم للمواصلة في سلم مهاراتها وصولاً للقدرة على المنافسة في كافة المراحل العمرية من خلال البطولات التنشيطية للأطفال والبطولات المعتادة للكبار، لاكتشاف الموهوبين واحتضانهم في برامج تدريبية خاصة للوصول بهم لمنصات التتويج الدولية.

وعادة إذا تأكدنا من "الفاعلية" وهو الاتجاه السليم للمشروع نتوجه للتأكد من "الكفاءة"، والتي تتمثل بالاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية والمادية والتعاونية والوقت أيضاً الذي بات يصنف من الموارد المهمة والحاسمة في نجاح المشاريع.

أكثر ما يخيف من جهة "الكفاءة" أن يكون المشروع غير مؤسسي الإدارة بل يعتمد على فرد واحد يشكل أغلب الجسد الفكري والإداري للمشروع، وما أسعدني أن المشروع الذي يشمل 13 برنامجا تنفيذيا تحققت في محصلتها رؤيته ورسالته، وأهدافه انطلقت ببرنامج حاسم ومهم وهو برنامج إدارة منشآت السباحة، الذي يهدف لتكوين كتلة إدارية متكاملة مؤسسية، وذلك بالتزامن مع انطلاق برنامج إعداد الكوادر البشرية الفنية الذي يهدف لتكوين كتلة من معلمي ومدربي السباحة، إضافة للمنقذين وفق أعلى المعايير الدولية ليتكامل البرنامجان في تكوين نظام مؤسسي قادر على الاستمرارية دون التأثر بحضور أو غياب أي فرد مهما كان مستواه الإداري أو الفني.

أيضا من الأمور المطمئنة أن المشروع الذي يتبع الرئاسة العامة لرعاية الشباب بإشراف الأمير نواف بن فيصل، يعد حاضنة مؤقتة لعدة سنوات مهمتها تنظيم وتطوير سوق الألعاب المائية وحماية عناصره ليضخ خدماته بشكل تلقائي ودائم ومتنامٍ سواء على مستوى رعاية الشباب بشكل عام أو على مستوى رعاية الرياضيين والموهوبين بالألعاب المائية بشكل خاص، إضافة لتكوين قاعدة عريضة من الرياضيين والمعلمين والمدربين والحكام ومديري المنشآت الرياضية كماًّ ونوعاً بشكل تراكمي بمرور الزمن في إطار تنظيمات محفزة وحامية لكافة عناصر سوق هذه الألعاب.

كلي أمل أن توثق هذه التجربة بكافة مراحلها وبكافة صيغ التوثيق، لاستثمارها في تكوين نموذج تطويري يمكن من خلاله تطوير أي لعبة رياضية أخرى بوقت وتكلفة وجهد أقل باعتبار أن هذه التجربة كونت لدينا منهجاَ واضحاَ ونخبة من الخبراء السعوديين في مجال تطوير الألعاب وأسواقها بشكل مؤسسي فاعل.