عندما يفتي ـ مستقبلاً في وسائل الإعلام رداً على الأسئلة الفردية – أحد أعضاء هيئة كبار العلماء أو غيرهم ممن سيناط بهم تولي مهمة الفتوى بموجب ما ورد في الأمر الملكي الكريم، بتحريم الاختلاط، أو جواز إرضاع الكبير، أو تحريم الغناء، أو تحريم التعامل بأسهم البنوك وشركات التأمين أو الشركات التي تمول أنشطتها بالاقتراض من البنوك، أو غير هذه الأمور مما له تأثير كبير على المجتمع... في هذه الحالة هل يجوز للمتخصصين في الأمور الدينية ممن لم تسند لهم مهمة الفتوى، أو غيرهم من قادة الرأي في المجتمع أن يناقشوا هذه الفتاوى ويبدوا آراء حولها ويختلفوا معها كما يحصل سابقاً، أم ستكون هذه الفتاوى مقدسة لا يجوز (المساس) بها..؟؟

إنني مع التنظيم ومواجهة الفوضى، ولكني في الوقت نفسه مع حرية الرأي حتى في القضايا الدينية. وأرى أن الحوار والرد برأي آخر مدعوم بالأدلة والإيضاحات المقنعة لمحاولة ثني الآخر عن رأيه، أو إقناع المشاهد والمستمع والقارئ ممن قد يكون قد تأثر بالرأي واقتنع به، هو الأسلوب الأسلم لتنقية كل روافد الرأي من الشوائب قبل أن تصب في النهر الكبير الذي يحكم سلوك المجتمع وقيمه وعاداته، ولذلك فإني أطرح في هذا المقال أمراً مختلفاً له علاقة بما ورد في الأمر الملكي الخاص بتنظيم الفتوى، ولكن من زاوية مختلفة، أو بمعنى أصح أطرح الوجه الآخر للقضية، وهو الموقف من تلك الفتوى بعد صدورها.. هل تكون نهائية لا يجوز مناقشتها أم إنها تدخل في مقولة الإمام مالك كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر؟

أعتقد أنه لا أحد سيقول إن تلك الفتاوى مقدسة لا يجوز مناقشتها وإبداء الرأي حولها من قادة الرأي في المجتمع، أو حتى من الأشخاص العاديين الذين يجدون في أنفسهم الرغبة في إبداء الرأي بأسلوب يتفق مع أدب الحوار... وإذن فهل يعني هذا أن هناك فرقاً كبيراً بين الرأي والفتوى وأن إجابات أصحاب الفضيلة على الأسئلة حول الأحكام الشرعية في الأمور المختلفة هي فتاوى بينما الاختلاف معها ومناقشتها تعتبر آراء..؟؟ لقد حاولت أن أتوصل للفرق بين الرأي والفتوى ولم أتوصل إلى تعريف واضح ينسجم مع الاتجاه التنظيمي الوارد في الأمر الملكي الكريم، فكثير من النصوص الدينية تقول ما معناه إن الفتوى هي إيضاح الحكم الشرعي المدعوم بالأدلة، وبموجب هذا التعريف يصعب صياغة نص ديني سواء لخطبة جمعة أو حتى لمقال ديني عادي لا يتضمن مجموعة من الفتاوى. وهذا يطرح سؤالاً بالغ الأهمية حاولت أن أجد له إجابة، يتعلق بمفهوم الفتوى المقصودة في الأمر الملكي فلم أستطع.

لهذا قد يكون من الضروري تحديد مفهوم دقيق واضح للفتوى المطلوب حصرها في أعضاء هيئة كبار العلماء وغيرهم ممن سيتم اختيارهم، ولعله عندما يتم ذلك ينتهي هذا الاشتباك القائم الآن بين الرأي والفتوى، وتنتهي تلك الإشكالية التي طَرَحْتُها الآن عن موقف قادة الرأي من الفتاوى التي ستصدر من أعضاء هيئة كبار العلماء وغيرهم ممن ستناط بهم الفتوى في وسائل الإعلام إجابة على الأسئلة الفردية التي تطرح عليهم في البرامج المخصصة لذلك.