تتسارع الأحداث بالمنطقة والعالم، وتشتعل الحرائق، تشتعل في كثير من البلدان العربية. ومع كل حريق هناك أجندات سياسية، دولية وإقليمية تقف خلفه. ومع تسارع الأحداث تنشأ تحالفات على حساب أخرى. وما يجري في البلاد العربية هو أقرب لرمال متحركة في عاصفة عاتية.

ولعل التقارب الأميركي الإيراني، هو أهم التحولات الدراماتيكية في الأيام الأخيرة، وذلك بسبب تداعياته على الملف النووي الإيراني، وبالتالي على أمن دول الخليج العربي، بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام.

في المحور النووي، والخشية من تمييع الموقف الدولي حوله، وتأجيل اتخاذ قرار أممي لنزع فتيله، هناك طرفان رئيسيان متضرران من حيازة إيران للسلاح النووي، هما دول مجلس التعاون الخليجي، والكيان الصهيوني. وبالتأكيد هناك قوى إقليمية أخرى، كتركيا وباكستان ودول عربية كمصر، لا ترغب في امتلاك إيران للسلاح النووي، لكن تأثير ذلك سلبا على أمنها القومي، ليس كتأثيره علينا.

فالمملكة ودول الخليج العربي هم الذين يقفون أمام فوهة البندقية، وخشيتهم من أطماع إيران التوسعية ليست افتراضية. وهذه الدول عملت منذ فترة طويلة على نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة، بما في ذلك السلاح النووي، الذي يمتلكه الكيان العبري، وامتلاك إيران لهذا النوع من السلاح يضاعف من تعقيدات الموقف، ويجعل التوصل إلى حل لنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة أكثر صعوبة.

أما الكيان الصهيوني، فإنه تفرد لعقود طويلة بامتلاك السلاح النووي في المنطقة، وامتلاك إيران لهذا النوع من السلاح يعني كسر احتكاره له، وهو ما لا يقبل به. والنتيجة أن العرب، ودول الخليج العربي ـ بشكل خاص ـ هم من سيدفع ثمن التطورات الجديدة في العلاقة الأميركية- الإيرانية.

ليس من شك، في أن التقارب الأميركي الإيراني، وتحسن العلاقة بين البلدين، سيكون له تأثير مباشر على علاقة دول الناتو بالجمهورية الإسلامية. بمعنى تأثيرها إيجابيا على علاقة طهران بأنقرة، ليتحول الطابع الصراعي لعلاقة إيران وتركيا في العراق وسورية، من علاقة صراعية إلى علاقة تكاملية.

في ظل هذه التطورات، لا يتوقع أن تقدم الإدارة الأميركية على أي عمل عسكري ضد إيران، لكن ذلك لا يعني أن موضوع الملف سيظل مجمدا، وأن إيران ستظل بمأمن من أية عقوبات. فهناك احتمال إقدام الكيان الصهيوني، على تنفيذ ضربة عسكرية محدودة، على الأماكن التي توجد فيها المنشآت النووية. والأقرب هو أن ترد إيران على إسرائيل بقصف صاروخي محدود. يتدخل مجلس الأمن الدولي، بزعامة أميركا لإيقاف القتال بين الجانبين. وتستثمر الإدارة الأميركية حرب التحريك هذه، وتقوم بالوساطة لفك الصدام العسكري بين إيران والكيان الإسرائيلي. وسيكون من نتيجة هذه الحرب تعزيز أكبر للعلاقة بين إيران وأميركا.

من المستبعد، في ظل التحولات السياسية الإيرانية، وتطور علاقتها بالخارج، أن تتعرض إيران للمصالح الأميركية في منطقة الخليج العربي. ربما تهدد بإغلاق مضيق هرمز، لكنها لن تقدم على أي خطوة في هذا الاتجاه، لعلمها أن ذلك سينسف المكاسب التي حققتها عالميا في الأيام الأخيرة.

من جانب آخر، يتوقع أن تتصاعد الصراعات بين المعارضة المسلحة في سورية، وسيكون الجيش الحر هو الطرف الأضعف في الصراع. وفي هذه الحالة، سيتشجع الائتلاف الوطني أكثر للالتحاق بمبادرة جنيف لحل الأزمة السورية، بشروط أقل مما يعرضه الآن. وسيجري التنسيق بين الروس والأميركيين والإيرانيين والأتراك للدفع بعملية جنيف للسلام، بحسبان أنها ستمكن جميع الفرقاء للتصدي لاحقا لإرهاب القاعدة وجبهة النصرة، ودولة العراق والشام الإسلامية.

بدأت ملامح هذا السيناريو في التشكل مؤخرا، بإغلاق المعابر السورية، على الحدود التركية، التي تسيطر عليها داعش. كما أن البرلمان التركي مدد للقوات التركية حق التدخل العسكري في سورية لمواجهة أي تهديدات محتملة، وللدفاع عن الأمن الوطني. وقد شهدت الأيام الأخيرة، سقوط عدد من الصواريخ على الأراضي التركية عبر الحدود مع سورية.

على الحدود الأردنية، منعت الحكومة المسلحين السوريين، من استخدام الأردن كقاعدة للانطلاق ضد النظام السوري، وأصبحت ترفض الاعتراف بأية وثائق لا تصدر عن حكومة دمشق.

بل إن التوقعات تذهب إلى ما هو أبعد من هذه التطورات بكثير. هناك احتمال أن يشارك الجيش الحر، مع الجيش النظامي، بتنسيق إيراني- تركي في معارك مشتركة ضد المتطرفين والتكفيريين. وإذا ما حدث ذلك، فإننا أمام دراما مختلفة، تستعيد روح حلف بغداد، الذي شكلت أنقره وطهران وبغداد وعمان أهم عناصره.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومآلاتها، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو إن حكومته قد تقدم على تقديم تنازلات صعبة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وإذا ما تحقق ذلك، وتم اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، فسيكون ذلك مشروطا بعلاقات كونفدرالية مع الأردن، تعيد إلى الواجهة مشروع رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيجال ألون، في أوائل السبعينات من القرن المنصرم، وتنظيرات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في أوائل التسعينات حول شرق أوسط كبير، تكون إسرائيل قطب رحاه وقاعدته، والضفة الغربية نقطة الوصل فيه إلى شرق الأردن، حيث ترتبط شمالا بسورية إلى تركيا، وشرقا إلى العراق ثم طهران، وجنوبا إلى جزيرة العرب.

تلك هي احتمالات المستقبل القريب ما لم تحدث مفاجآت سريعة. والمؤكد أن المنطقة حبلى بتحولات دراماتيكية، وعلى العرب أن يختاروا بين الوقوف متفرجين على هامش التاريخ، وبانتظار المزيد من الانهيارات والتفتيت، أو صياغة استراتيجية عملية لوقف حالة الانهيار، وأخذ مكانهم اللائق في عالم ليس فيه مكان للخائرين والضعفاء.