وأنا أتصفح بشكل سريع مجموعة: "ظلال بيضاء" لزكية نجم، ثارت في ذهني جملة من الأفكار منها ما يتعلق بنصوص العمل، ومنها ما يتعلق بهوامش أخرى شديدة الصلة بالمشهد الإبداعي المحلي.
فالقاصة ذات اسم قديم سجل حضوره في الساحة منذ الصخب الجميل الذي عاشته فترة الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، لكن اللافت أنها اختفت من المشهد، أو هكذا خيل إلي، مذ أصدرت مجموعتها الأولى: "الآخرون ما زالوا يمرون" عام 1994. هذه المجموعة التي صدرت منذ سنوات تقارب العقدين.
ولعل طول هذه المدة، واتصالا بالبدايات المبكرة للكاتبة التي ترجع للمرحلة المتوسطة، يعطينا إشارة قوية للنضج الفني الذي بدت عليه "ظلال بيضاء". ويجعلنا نقف باحترام حيال خصوصية التشكلات الدلالية للبنية الجمالية التي تميز المجموعة، والعلاقات التي تنسجها بمرام دلالية أخرى للنصوص، عبر تلمس سردية الخطاب القصصي، التي تميل في معظمها لـ "تيار الوعي" (القصة التحليلية الحديثة التي تنقل الجو الذهني بالذات، إذا لم تكتب كفكرة متداعية انسيابية)، وهو التيار الذي نشأ في الأدب منذ بدايات القرن العشرين، ويرجع الفضل فيه إلى الفرنسي مارسيل بروست صاحب: "البحث عن الزمن الضائع"، المنشور عام 1913، والإنجليزية دورثي ريتشاردسون والأيرلندي جيمس جويس الذي نشر "صورة الفنان في شبابه" عام 1914.
تحددت ملامح تلك الكتابة في تحويل القصة الخيالية من الحقيقة الخارجية إلى الحقيقة الباطنية، من العالم الخارجي إلى عالم خبيء من الخيال الجامح، تمثل فيه باستمرار حياة حواسنا وإدراكها، وتبدو مشربة بدفق غير عادي من لغة الشعر.
وهذا هو في تقديري أوضح اتجاه، لمجموعة من الاتجاهات الفنية التي اتكأت عليها نصوص المجموعة. التي قدمت مجددا القاصة كموهبة صقلت وتأسست على قواعد، ليست رخوة أو هشة، بدت متمكنة من استخدام الاستعارات المكثفة بذكاء ورصانة وحرفية إلى حد كبير. ومالت إلى أنسنة الأشياء، بتناولها العلاقة المتوترة والملتبسة بين الإنسان والطبيعة، ومحاولة مساءلة ومقاربة قضايا عاطفية تواجه أفراد المجتمع. النص في "ظلال بيضاء" يغفل توصيف المكان، وتحديده جغرافيا، بما يشي بأنه مكان – هكذا - بلا ملامح، وأغلب شخوص النصوص تؤثر العزلة في صراعها وتعقيد علاقتها مع هذا المجتمع، وتبحث عن حلول لها للتعايش، كأن تصطاد الأمنيات، نص "ظلال بيضاء" أو تعيش حالة "فانتازيا" فاقعة على نحو ما يصور نص "سقوط" ذي الطابع الكافكاوي المرعب. ونص "وحل غادر" الذي أعده من أجمل نصوص المجموعة، التي ميزها تنوع الاتجاهات الفنية.
*مجتزأ من ورقة ألقيت بفرع جمعية الثقافة والفنون بجدة أخيرا.