هل يشعر أحدكم بتوتر نفسي، وأحيانا ضيق حتى من الحياة نفسها، بعد لحظات من إغلاقه أحد مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا "تويتر"؟

سؤال طرحته على أكثر من شخص، خصوصا من أولئك الذين أعرف ولعهم الشديد بمتابعة ما يكتب وينشر في تلك المواقع. أما الإجابة التي أجمع عليها كل من سألتهم، فهي: نعم. وعن السبب؟ يؤكد الأغلبية أن النفس الطائفي والقبلي والفئوي والمناطقي الذي تضج به تلك المواقع، هو أكثر الأمور التي تجلب لهم التوتر، وتشعرهم بالحزن والخوف الشديدين على مستقبل مجتمعنا. المشكلة الأسوأ أن تلك الحوارات والجدالات والمناكفات الشخصية تخرج من فضائها الإلكتروني إلى كل بيت أو تجمع، وحتى إنها غزت مكاتب ومواقع العمل لجميع فئات المجتمع الذي يعاني أصلا من تناقضات فكرية وأيديولوجية عميقة.

التساؤلات هنا: هل هناك أمل في واقع أفضل؟ وهل من ضوء في آخر النفق؟

أقول وبكل ثقة: نعم.. لكن بشرط واحد هو أن يكون الجمال والإبداع أحد أهم قادة الخروج من هذا الواقع المؤلم. ولكي أدلل على ذلك، أشير هنا إلى ما حدث في "ملتقى نجران للفنون البصرية" الذي اختتم نهاية الأسبوع المنصرم في منطقة نجران، وسط حضور لافت من فنانين من جميع مناطق المملكة. فالفن وحده من جمع أكثر من 50 فنانا فوتوجرافيا وتشكيليا ونحاتا. ولو نظرت بتمعن في المرجعيات الفكرية والأيديولوجية لكل شخص منهم لوجدت تنوعا كبيرا، بل قد يصل إلى التضاد الكامل. ومع ذلك لا تسمع همسة هنا أو هناك عن فكر فلان أو معتقد علان، ولا حتى إلماحة لتخوين هذا أو ذاك. الكل مشغول بزوايا الإبداع، وتقنيات الصورة، وأسرار اللوحة، ورسالة المنحوتة، فالتنافس الحقيقي بين الجميع، يكمن في من يستطيع جذب الحاضرين، بفكرته وتقنيته في إنتاج العمل الفني. طبعا هذا يحدث في الملتقيات الأدبية والثقافية الأخرى الرسمية أو غيرها، ولكن ـ وللحق ـ فهو بدرجة أقل، لعدة أسباب منها: أن تلك الملتقيات تحفل بـ"الشللية" المحمودة وليست المرفوضة، ولكنها على كل حال "شللية" تتشكل تلقائيا من خلال تجمع جماعات متعددة ومتجانسة فكريا، لا تجلس ولا تتناقش، ولا حتى تأكل، إلا مع بعضها البعض في أغلب الأوقات. بعكس التجمعات الفنية التي تجمعها صالة واحدة، تفرض على الجميع التلاقي والتعارف.

خلاصة القول: أيها المسؤولون، أيها الوطنيون: حافظوا على أبرز ملمح للتلاقي الوطني الحقيقي.. ادعموا "الفن والإبداع، بكافة أشكاله، فهو الذي يجمع الكل، بعيدا عن أي حسابات أيديولوجية أو فئوية، وهو المثال الحقيقي لمفهوم "أبناء الوطن الواحد".