في الثمانينات وحتى منتصف التسيعنات أي قبل عصر "الخصخصة" كان المسافرون على الخطوط الجوية العربية السعودية أكثر "سعادة" من عملاء وزارة البرق والبريد والهاتف.

وبعد انطلاق خصخصة قطاعي الطيران والاتصالات، انقلبت الآية وأصبح زبائن قطاع الاتصالات أكثر "ابتسامة" من المسافرين زبائن قطاع الطيران، وهو ما يجعلنا نسأل، لماذا نجحت تجربة المملكة في خصخصة "الاتصالات" وبقيت تجربة "الطيران" متخبطة؟

قبل الحديث عن أي شيء، لم تكن خصخصة قطاع الاتصالات لتنجح لولا دخول منافسين أجانب "شرسين" أرغموا شركة الاتصالات السعودية "المنبثقة عن الوزارة" على بذل كل جهدها لتبقى في الصدارة.

ففي بداية الخصخصة كانت "الاتصالات السعودية" جهة شبه حكومية وموظفها لم يتقبل أن يصبح المواطن الذي "كان تحت رحمته" صاحب "اليد العليا" لأنه يدفع تكلفة الخدمات المقدمة.

وبعد دخول موبايلي نهض القطاع بصورة كبيرة حتى عندما كانت تغطيتها دون مستوى "الاتصالات السعودية". لكن لم يحصل نفس الشيء عند مجيء شركتي "سما" و"ناس" للطيران لأن المنافسة لم تكن عادلة.

لم تحصل موبايلي على عملاء الهاتف الذين لا يستطيعون الدفع، إلا أن "سما" و "ناس" حصلتا على 63 خطا إلزاميا كلها كانت غير مجدية اقتصاديا للخطوط السعودية.

صحيح أن "سما" و"ناس" وافقتا على الدخول إلى السوق بهذه الشروط المجحفة بحقهم، لكن الخسائر المتفاقمة في السوق المحلية لم تسمح للشركتين بالاستمرار بنفس الشروط.

وبدلا من تطبيق المنافسة العادلة وجدت الهيئة العامة للطيران المدني حلا وسطا؛ وهو دعمهما للخروج إلى الأسواق الدولية وإعادة الخطوط الإلزامية إلى الخطوط السعودية.

ولكن محاولات الخروج ليست سهلة لأن غالبية الشركات في المنطقة مازالت حكومية والدول تريد حمايتها من شركات الطيران منخفض التكاليف. كما أن إعادة الخطوط الإلزامية لـ"السعودية" يتطلب طائرات جديدة أصغر ولهذا يجب علينا الانتظار حتى يكتمل الأسطول.

ولهذه الأسباب لم تؤت خصخصة الطيران ثمارها، إضافة إلى ذلك أن المواطن لن يقتنع "فجأة" بأن يتحمل التكاليف الحقيقية لتذاكر السفر في الوقت الذي تراجعت فيه الخدمات المقدمة له على عكس خدمات الاتصالات.

كان يجب أن تقدم الدولة دعما على "تعرفة التذاكر" لهاتين الشركتين لكن هذا لم يحصل ولا أعلم إذا كان سيحصل، وكل ما تلقته الشركتان دعما بـ200 مليون ريال لمواجهة نفقات الوقود. لا يجب أن نلوم "سما" و"ناس" فبدون منافسة عادلة وبدون دعم حكومي وبدون صبر حتى يتقبل المواطن ما يجري حوله، ستظل الابتسامة تفارق زبائن "الطيران" وتلتصق بزبائن "الاتصالات"؛ وستظل الخسائر تلاحق شركات الطيران الخاصة وسيظل المواطن يقف بالساعات في المطار ينتظر رحلة متأخرة لشركة طيران خاصة.