دعوني في البدء أكرس لقناعتي بأن القصة القصيرة لا تزال فنا نابضا بالحياة له قوامه وكينونته وحضوره على صعيد الإنتاج أو المقاربة النقدية على الرغم مما يصدر الآن من دعاوى تشير إلى خفوته وانضوائه تحت لواء الرواية بوصفها عالما من الأحداث المجدولة المتآزرة مما يجعل القصة محض حدوتة سريعة منطفئة، فيما مبدعو القصة القصيرة أو القصيرة جدا "الومضة القصصية" ونقادها يدركون ما تتأسس عليه وكيف يمكن صنع الحدث الواحد- وهو في ظني أصعب- من طبيعة الكتابة في العمل الروائي، متضمنا تلك الحمولات الفكرية أو الاجتماعية فيما أسميه بتقنية "الحقن"، حيث يمكن حقن المشهد القصصي ضمنيا بدلالات الكشفُ عنها قد يبين عن عوار تقني أو معنوي ينأى بالمتلقي عن حكاية النص المرومة.

وبعد هذا التكريس ليس لنا أن نتغاضى عما تعانيه القصة القصيرة في الأماسي التي تنظمها المؤسسات الثقافية كالأندية الأدبية أو الجامعات من إحجام عن الحضور ونفور عن متابعة الاستماع إلى نص يلقى على الجمهور عبر وسيلة واحدة وأداة وحيدة مما يبعث على الملل ويصنع حاجزا بين المبدع على المنصة مهما كانت حكايته ساخنة وبين جمهوره في الأمسية الباردة، وحقيقة الأمر أني وأنا أحد المنتمين إلى هذا الفن أشعر بالشعور عينه خاصة إذا كان صوت القاص ضعيفا أو غير مؤدٍّ، ولهذا فإني أزعم أن من النصوص القصصية ما هو منبري يمكن إلقاؤه وفق شروط وضوابط الإلقاء الجيد، ومنها ما هو معدّ للقراءة المنفردة الذاتية فحسب، هكذا أتصور الوضع أما فيما يخص النص المنبري فأفترض فيه أن يكون قصيرا أي لا تتجاوز مدة إلقائه ثلاث دقائق، وأن يحرص المبدع القارئ على سلامة اللغة متمثلا المعنى صوتا وأكاد أقول حركةً، ولقد ألفيت بعض النصوص تكون جميلة لولا أن ملقيها ذو لغة فاسدة لا تقيم للإعراب مقاما فيغيب المعنى ويترهل النص، وكنت اقترحت في ورشة النص القصصي التي عقدتها في نادي أبها الأدبي قبل سنة تقريبا أن يرافق القراءة مشاهد متلفزة معبرة ومنتقاة ذات وشيجة مع تفاصيل النص وإيحاءاته، في ظني أن ذلك سيخرج القصة المنبرية من غفوتها ونعاسها إلى يقظة وتحفز ثم إقبال، إن من سمة هذا المقترح التقني على الأداء القرائي للنص أن يحيله إلى حالة مسرحية في النهاية لا تخلو من عناصر الجذب كما يحدث فيما يسمى بكوميديا الوقوف "ستاند أب كوميدي".