تعكس حكاية الطابور الطويل إلى بوابة الطائرة نهاية، مساء طويل. وقصة أفراد الطابور مع (حيواتهم) الشخصية.

يحيى: سبعيني (متشبّب)، بلهجة ظهران الجنوب، ومن بعض تصرفاته في الطابور يبدو لي زبونا أسبوعيا لطائرة الرياض. يتباهى أمامنا أنه أنجز هذا الصباح أمرا (وزيريا) بفتح صغير لجماعته في (الماسورة) حينما تمر التحلية إلى مركز المحافظة. سألته بكل سذاجة: كيف جبتها يا يحيى؟ فأجاب: جبتها من فوووق..

خلفي في الطابور أيضا، صدام حسين، يضحك الجميع من الاسم الذي كان صدفة عندما كان (صدام)، وأيام ولادته، أنموذجا ورمزا: يهمس إليّ صدام أنه أنهى بعيد ظهر هذه الرياض رفع مخصصاته وأسرته من إدارة (المقررات والعوائد) إلى ما يقرب الضعفين. أول مرة في حياتي أسمع عن هذه الإدارة مع شرح (كتالوجي) عن طبيعة مهمة هذه الإدارة: كيف استطعت يا صدام؟ هو نفس جواب (يحيى) السابق: جبتها من فوووق..

بجواري أيضا على مدخل الطائرة كان (فرحان)، مثلما أكد لي، كان قبلي بعامين في ذات طابور المدرسة الثانوية. والفارق بينه وبين (يحيى وصدام) أنه لا يزال يحتاج لرحلتين كي ينجز فسحا إداريا لرخصة استيراد الأغنام من دولة مجاورة يفصلنا عنها عرض بحر ضيق. وحين سألته عن باقي الإجراءات أجاب فورا: شغال ومع ناس من فوووق..

على المقعد المجاور لي في الطائرة يشرح لي أحمد بلهجة (نماصية) غاية في الجمال سفرته إلى (الرياض) ليحصل على أمر باستبدال مفصل زوجته من (الورك) في جون هوبكنز الواشنطني. وحين قلت له بكل براءة إنني عملت ذات الشيء لوالدتي قبل عشر سنين في ذات المدينة بلا (وجع دماغ) أجابني فورا: معقولة.. علي الموسى لا يعرف أحدا من فوووق!

كنت على الطائرة المقلعة فوق سماء هذه الرياض الأثيرة الحبيبة إلى القلب. كنت أشاهدها من (فووووووق) ثم أتذكر مئات الأسماء التي مرت عليّ بقصصها الباكية المؤلمة لأنهم: لم يحلقوا بالطائرة فوق الرياض، ولم يعرفوا الطريق إلى أحد من فوق.