خالد الجريسي -
الرئيس التنفيذي لشركة بيت الرياض
يعتبر التزام المواطن والمقيم في أي دولة بالأنظمة المرعية فيها، أمراً بدهياً معمولاً به في كافة دول العالم، ونظرًا لكون المملكة العربية السعودية محطَّ أنظار العالمَين العربي والإسلامي، فهي بلد الحرمين الشريفين، فضلاً عما حباها الله من موارد طبيعية متميزة؛ فقد كثر الوافدون إليها من شتى بقاع الأرض، ما أدى - في خضمِّ هذا الكم الهائل منهم، المتراكم عبر سنوات مديدة – إلى وجود صعوبة بالغة في ضبط هذه العمالة الوافدة ضمن الأنظمة السيادية الداخلية للمملكة؛ حتى بات تطبيق ذلك الأمر المسلَّم به حدثًا مستغربًا لدى البعض! بيد أن كل ما تطمح إليه الجهات الرسمية هو تنظيم أوضاع العمالة بشكل مناسب – ضمن القوانين المعتبرة – لكلِّ من صاحب العمل وعمالته الوافدة، وفي هذا السياق رأينا قرارا يعتبر رياديا فريدا من نوعه لوزارة الداخلية ممثلة في وزيرها الأمير محمد بن نايف؛ يدل – ابتداءً – على حكمة من أصدره، وحرصه البالغ على إعطاء كل ذي حق حقه، فكما أن للمواطن والمقيم كامل الحق في ممارسة أنشطته في سوق العمل، فإن للدولة أيضا ممارسة حقِّها السيادي في تنظيم أوضاع العاملين فيها ضمن ما تقتضيه قوانينها.
إن هذا القرار قد جاء – لمن تأمَّله – متوازنا بين التيسير الذي يصب في مصلحة سوق العمل، ما يدل على دراية واسعة به، والحزم الذي يضمن التزام العاملين بأنظمة العمل.
ثم جاءت المهلة التصحيحية بموافقة المقام السامي لتؤكد هذا المنحى الحكيم؛ في أن المقصود من هذا القرار التزام المنشآت بالأنظمة لا التضييق على العاملين فيها؛ فجاء التنفيذ الإجرائي للمهلة متوازنا متضمنا – من جهة – استثناءات وتسهيلات على درجة عالية من المرونة تجاوزت حدود الروتين والبيروقراطية، بدءًا من الإعفاءات من العقوبات المخالفة والغرامات المترتبة، والسماح بنقل العمالة المنزلية إلى منشآت خاصة – بضوابط محددة – ومنح العامل الوافد صلاحية نقل خدماته إذا أخلَّ صاحب العمل بالتزاماته نحوه، حتى إن لم يسلِّمه الوثائق الخاصة به، أو لم يضمن كونه نظاميا في إقامته، وانتهاءً بإمكان تصحيح أوضاعه عبر الخدمات الإلكترونية الرسمية.
ومن جهة أخرى أبدى الإجراء التنفيذي لتلك المهلة حزما، مبتدئا بإقرار عقوبة على صاحب العمل الذي يشغل أو يؤوي مخالفا، وإلزامه بإبقاء المستندات الرسمية للوافد العامل لديه سارية المفعول، وأعطى حقا للوافد يفسخ بموجبه تعاقده إذا أخل صاحب العمل بذلك، ثم ألزم الوافد المخالف بالمغادرة فورا إن لم يسوِّ أوضاعه خلال المهلة المحددة، وسدًّا لباب التحايل لم يأذن القرار بنقل خدمات العمالة المشمولة بالمهلة التصحيحية إلى مؤسسة مستجدة بعد بداية فترة المهلة.
إن هذا القرار جاء في مصلحة البلاد والعباد، ولا بد من تنفيذه، ولو استغرق فترة زمنية ليست بالقصيرة فإن هذا منهج اختطته الدولة، وهو حقٌّ لها، ومصلحة لمن يعيش فيها، بل أملنا كبير أن تحذو الوزارات الأخرى حذو وزارتي العمل والداخلية في تفنيد مشكلاتها، ووضع الحلول العملية الناجعة لها، والعمل بجد وإصرار على تطبيقها وتعميمها.