في 15 سبتمبر، وفي عدد يوم الأحد من صحيفة نيويورك تايمز المفضلة لدى المثقفين الأميركيين، كتب إيان لوستيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا أن حل "دولتين" تعيشان جنبا إلى جنب، إسرائيل وفلسطين، والمفاوضات الحالية هي عبارة عن "وهم". مستشهدا بحماسه في 1980 لحل الدولتين، يشير لوستيك إلى أنه تعلم درسا صعبا منذ ذلك الحين.

يقول لوستيك: "الآن، كما في ذلك الوقت، المفاوضات مصطنعة، هي تكبت معلومات بأن الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين يحتاجون إلى إيجاد مسارات غير كارثية نحو المستقبل. القضية لم تعد أين يمكن رسم الحدود السياسية بين اليهود والعرب على الخريطة، ولكن كيف يمكن تحقيق العدالة السياسية. نهاية الخط الأخضر لعام 1967 كخط يمكن أن يحدد السيادة الإسرائيلية والفلسطينية، يعني أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية سيشوه كل سمعة إسرائيل بالكامل.

ويقترح لوستيك إنهاء خرافة السلطة الفلسطينية، وأن قوانين اتفاقية أوسلو يجب أن تأتي عاجلا أو آجلا. المستقبل لن يكون جميلا، سيكون قاسيا، عنيفا وظالما. ولكن ذلك هو العالم الذي يعيش فيه الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة حاليا. لوستيك يقول إن إجبار إسرائيل لتتحمل المسؤولية المباشرة للنشاط الاقتصادي والسياسي وجميع موارد المياه "من نهر الأردن إلى البحر المتوسط" في مفاوضات حقيقية بأن هناك دولة واحدة بالفعل حاليا، يعني أن اضطهاد إسرائيل سوف يكشف.

هذا سوف يؤدي إلى "موجات متزايدة من الإدانة الدولية لإسرائيل. وفي مواجهة الغضب المتصاعد، لن تكون أميركا قادرة على تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل.. القادة الإسرائيليون قد يبدؤون حينها يرون، كما رأى قادة جنوب أفريقيا في أواخر الثمانينات، أن سلوكهم ينتج العزلة، والهجرة، واليأس".

لوبي الصهاينة الأميركيين قفز إلى العمل، وكتب رسائل إلى رئيس التحرير ومقالات منافسة تندد بالكاتب لوستيك لمحاولته "تدمير" الدولة الصهيونية. اللوبي الصهيوني الأميركي "إيباك" يريد أن يخرس أي شخص يتحدث عن حل "الدولة الواحدة" للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. مثل هذا الجدال سيسرع حملة مقاطعة وتعرية تخيف الحكومة الإسرائيلية.

لكن اللوبي الصهيوني عالق في حقيقة أن تصلب بنيامين نتنياهو أدى إلى عزلة إسرائيل. عندما تقوم صحيفة نيويورك تايمز بنشر مقال مطول حول الحاجة لوقف التمييز العنصري الإسرائيلي، ووقف التطهير العرقي لغير اليهود، وإنهاء لا شرعية "الدولة اليهودية"، لن يكون بالإمكان إغلاق الباب على القضية. الحقيقة هي أن العالم لا يثق بإسرائيل، وحتى أشد حلفائها مثل الاتحاد الأوروبي يقطعون العلاقات الاقتصادية بسبب وجود وتوسعة المستوطنات اليهودية.

لكن لوستيك تبنى هذه الفكرة حديثا. خارج إسرائيل الصهيونية توجد جالية غير عادية من المفكرين اليهود الذين رفضوا منذ زمن الموافقة على "حل الدولتين" المقترح لإنهاء الصارع الإسرائيلي-الفلسطيني. اثنان من هؤلاء المفكرين هما البروفيسور إيلان باب، الذي ألف كتاب "التطهير العرقي لفلسطين" من بين كتب أخرى بارزة، والدكتور نورتون ميزفينسكي، وهو ناشط يدافع عن حقوق الفلسطينيين منذ عقود.

هؤلاء المفكرون يرفضون الصهيونية، وهم ناشطون منذ فترة طويلة، بما في ذلك حق العودة، وإنهاء المخيمات الفلسطينية، وحق التصويت الكامل وحقوق الملكية لجميع العرب في فلسطين التاريخية داخل خط الفصل لعام 1947، لذلك حاربت الصهيونية أمثال هؤلاء بشدة. عندما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو، وحاولت بقوة أن تحسن من الوضع العام للفلسطينيين، حذر هؤلاء المفكرون - وانضم إليهم فلسطينيون ومفكرون من الدول كافة - من أن اتفاقيات أوسلو لن تنجح. وعندما وصل أوباما إلى الحكم، ودهش العالم لوصول أول رئيس لأميركا من أصول أفريقية، استمروا في دعم حل الدولة الواحدة، وحذروا من أن أوباما لن يحقق العدالة.

إيلان باب يقول إنه: "عندما أصبحت فكرة حل الدولتين هي أساس عملية السلام، أعطت غطاء للاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في عملياته دون رادع. كان ذلك بسبب أن إسرائيل الرسمية ـ بغض النظر عمن هو رئيس الوزراء ـ كان يفترض أنها مشاركة في عملية سلام، ولا يمكنك أن تنتقد بلدا يشارك في عملية سلام.. تحت غطاء شعار دولتين لشعبين، تم توسيع المستوطنات، وتعمق اضطهاد ومضايقة الفلسطينيين..".

هل الحل الذي يعتمد على دولة واحدة ترفض الصهيونية بشكل نهائي وتعطي حقوق انتخاب متساوية للفلسطينيين وجميع المواطنين غير اليهود فكرة عملية؟ بالنسبة للدكتور ميزفينسكي، مؤلف كتاب "الأصولية اليهودية"، هذا السؤال لا علاقة له بالأمر. يقول ميزفينسكي إنه خلال زياراته المتعددة لإسرائيل منذ حرب الأيام الستة عام 1967، وصل إلى قناعة أن حكومات إسرائيل لا تنوي التخلي عن شبر واحد من أراضي نهر الأردن التي استولت عليها في حرب 1967، وعدّتها غنائم حرب.

لذلك، إذا كان الناس في شتى أنحاء الأرض يريدون أن يقاتلوا من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، عليهم أن يقاتلوا من أجل الحل الذي يعدّ "الأكثر عدالة"، الحل الذي يضمن وجود دولة واحدة يعيش فيها الجميع كمواطنين يتمتعون بحقوق متساوية، وليس حلا يضمن لإسرائيل أن تحتفظ بجميع الأراضي التي تريدها.