لم أستكمل بالضبط بعض جوانب رؤيتي في التحقيق المثير الذي أجرته هذه الصحيفة عن الإعلام وحرية التعبير. كي تعرف بالضبط مع أي (حزمة) كونية نحن في مقياس حرية الصحافة العالمي فإن عليك بكل بساطة أن تطرح رقم ترتيبنا (163) من المجموع الشامل للدول (179) في ذات المؤشر. ستكتشف بكل بساطة أننا في المركز الأول لحرية الصحافة ولكن على آخر 15 دولة في ذيل الترتيب ولك من الخيال المباح أيضاً تخمين أسماء هذه الدول. لا توجد لدي بشكل شخصي مع حرية التعبير، تجربة صحافية تستحق الذكر، ولكن لدي تجربة كتابية تمتد لأكثر من عقد من الزمن. مقياسي الشخصي، يقول لي إننا ودعنا منذ أكثر من خمس سنين تلك الفترة الذهبية المزدهرة لحرية الصحافة وحين ظننا أننا على وشك الدخول إلى الفترة (الماسية) التالية وجدنا أنفسنا بكل صراحة في المربع (البرونزي). وحين قرأت الجزء الأول من هذا التحقيق بالأمس شعرت بفداحة الترتيب المدون (بعاليه) لأن المحافظ ومسؤول الأحوال المدنية ومدير عام التعليم أو الزراعة يستطيعون دعوة الشرطة للقبض على مراسل يؤدي مهمته.

مشكلة الحرية المسؤولة المنضبطة في المجتمع السعودي هي مشكلة الرقيب في الإطار العريض للمصطلح. الرقيب الاجتماعي الذي يرى في الصحافة وجهاً للفضيحة، والرقيب الديني الذي يرى فيها وجهاً للغزو الثقافي، وخذ في ذات الطابور بقية (الرقباء) لتكتشف، مثلاً، أن الكتابة لهذا المجتمع لا تشبه إلا خط (الثعبان) المتعرج. تنعطف يمنة ويسرة كي تمرر فكرة أو تنتقد وضعاً قائماً. تشعر أن القلم مشدود من الأعلى مثلما تشعر مع الزمن أنك لا تكتب للفكرة الخالصة، بل تكتب وعيناك إلى الخلف لمراقبة ردة الفعل (الرقابية) وتستوطنها قبل أن تكتب. والخطورة القصوى في قراءة رقمنا المتذيل جداً في مؤشر حرية الصحافة لا تكمن فقط في مكان الترتيب، بل تكمن في الكارثة المقابلة: ماذا لو قرأ آلاف المسؤولين هذا الرقم وماذا سيفعلون مع الصحافة والمراسلين والكتاب حين يعرفون أن المسألة بلا رادع أو رقابة أو ضوابط؟