ركائز أساسية انطوت عليها كلمة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، بمناسبة الذكرى الـ83 لليوم الوطني للمملكة مما جعلها وثيقة هامة، بل هي وثيقة العام الرئيسة في كل ما طرح فيها من مبادئ جوهرية ومن شعور كبير بالمسؤولية من رجل الدولة الكبير، إضافة للتأكيد لمشاعر الوفاء التي حملتها مضامين الكلمة الشاملة بهذه المناسبة العزيزة على قلب كل مواطن؛ تلك المناسبة التي تحتم علينا شكر المولى سبحانه على ما يعيشه الوطن والمواطن من أمن وأمان واستقرار في عالم يموج من حولنا بالفتن. أقول لقد عبرت كلمة سموه بكل صدق وأمانة عن منهج هذه الدولة التي قامت على أس راسخ وبناء ثابت الأركان يرتكز على ثوابت العقيدة، وفي استعراض لتفصيل ذلك الحديث المهم نجده يركز في بدايته على الأمن والاستقرار الذي هو سر التنمية والبناء حيث قال سموه: "إن ضمانه وديمومته لا تأتي بالتمني بل بالعمل الجاد لإقامة العدل بما يقوي مؤسسات القضاء وأجهزة الرقابة، ويفعل أدوات رصد الفساد وتعزيز مبادئ النزاهة ونشر ثقافتها، ويضمن بالتشريعات والأنظمة والقوانين خدمة المواطنين وكرامتهم وأموالهم وأعراضهم".
هذه المنطلقات يجب الوقوف عندها وألا نمر عليها مرور الكرام لأن الأمير يقصد كل كلمة فيها وهو ليس رجلاً عادياً فهو الرجل الثاني في الدولة، وهو من عاصر مرحلة التأسيس، وعاش هموم الوطن والمواطن مذ كان يافعاً، فالأمير عندما يتحدث عن هذه القضايا الجوهرية فلأنه يعيش الحكم وقد عاصر والده المؤسس ثم إخوانه الملوك -رحمهم الله- جميعاً فعركته التجارب، الحلو منها والمر، رجل الدولة الكبير الأمير سلمان هو رمز من أهم رموز الدولة السعودية قوية الأركان مهابة الجانب، يكفي أن تقول سلمان بن عبدالعزيز ليرتبط بذهنك قصر الحكم الذي هو منطلق بناء هذه الدولة، قصر الحكم الذي لم يغب عن عيني الأمير وذهنه سواء عندما كان شاباً ينهل من مدرسة والده المؤسس -رحمه الله- أو عندما أصبح حاكماً إدارياً لمنطقة الرياض قلب المملكة وعاصمتها ولعدة عقود، فارتبط بقصر الحكم وارتبط به القصر. وعن الاستقرار أيضاً يقول أمير التاريخ والناطق باسم الدولة: "إن كل المراهنين على زعزعة استقرار دولتنا خسروا من الجولة الأولى"، وأبرز الأسباب الجوهرية لذلك بقوله: "إن خادم الحرمين الشريفين قد استند في منهجه منذ تسنمه مقاليد الحكم إلى ما بدأه موحد الجزيرة الملك المؤسس -رحمه الله- من تطبيق واع وفعال للشريعة الإسلامية الحقة المتوازنة والشاملة، ونشر وصيانة العقيدة الإسلامية بأثرها العظيم وقيمها ومبادئها"، ويضيف: "نسي هؤلاء كلهم أن ركائز الدولة مشتركة مع قيم الأفراد، وأنها قامت على سواعد أجدادهم فصنعوا الوحدة وحافظوا عليها في بلد صالح، يواصل تحكيم شرع الله وإقامة العدل وحفظ الحقوق"، ولم يبالغ الأمير الحكيم في الثناء على الدولة بل كان واقعياً إذ قال: "إننا نواجه تحديات لكننا نواجهها بشجاعة ونتشارك نحن والمواطنون الأوفياء في الحل والتطبيق، نجتهد ونعمل وبالله التوفيق، نسعى للتغيير متى ما كان الوقت ملائماً، ونوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الوطن"، ويضيف: "إن الدولة تجتهد دون كلل في تحقيق رفاهية المواطنين وتتلمس مواطن القصور في قضايا الإسكان وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية وجودة التعليم وكفاءة عمل الأجهزة الخدمية فلنمنحها الوقت والفرصة"؛ ثم إنه يوضح أن النقد القويم والمشورة والرأي هي التي تساعد على التطوير وليس الهجوم الهادم.. ثم ختم سموه حديثه بخير ختام وهو أن هموم المواطنين خصوصاً فئة الشباب، تحتل المساحة الأكبر والاهتمام من لدن خادم الحرمين الشريفين الذي تؤرقه قضاياهم وهمومهم، كتوفير الوظيفة اللائقة ورفع مستوى الدخل وتيسير السكن الكريم والرعاية الصحية الكاملة لهم ولأطفالهم.
وبعد فهذا هو حديث الساعة بمناسبة اليوم الوطني ولم يكن حديثاً إنشائياً أو أماني أو تصريحاً روتينياً عادياً كما هي بعض التصريحات، بل هو حديث أسس وثوابت ومبادئ تتعاهدها الدولة وتؤمن بها بل وتحرص عليها، يقولها ولي العهد الذي لو نطق التاريخ لقال إنه صنوه، فهو حجة في تاريخ هذه البلاد، وعلى الرغم من مسؤولياته الجسام كعضد لخادم الحرمين الشريفين فقد آثر الاحتفاظ ببعض المناصب الرسمية والشرفية المرتبطة بالتاريخ الذي يعشقه، فهو رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز يتابع كل صغيرة وكبيرة فيها، صنع منها مرجعاً وحضناً لتاريخ هذا الوطن وتراثه وحضارته، كما تتشرف مؤسسة الشيخ حمد الجاسر برئاسة سموه الشرفية لها، تقديراً منه لمن خدموا تاريخ وجغرافية هذا الوطن العزيز، ومما معروف أيضاً عن الأمير دقة معلوماته وتصحيحه لبعض المعلومات التاريخية.. هذا هو سلمان التاريخ.. وأكتفي بذلك لأنني لو تطرقت لجوانب أخرى هامة من اهتماماته -حفظه الله- لطال الحديث، خاصة عنايته ودعمه لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وكذلك اهتمامه بالجوانب الإنسانية؛ فسلمان الإنسان هو الداعم للجمعيات الخيرية مثل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام ومرضى الكلى وغيرها، حيث اهتم بها شخصياً ويتابعها أبناؤه بكل حرص وعناية. بارك الله جهود الأمير الغيور على دينه وعلى وطنه ومواطنيه والمحب لكل إنجاز يراه.