حراسة النوايا والفضيلة ليست بأمر جديد علينا. منذ حقبة من الزمن وعينا على هذا الأمر وكان ساري النفاذ ومقبولا وموجها وسائدا في كل مكان، في المدرسة، في الشارع، والسوق. حتى تطور هذا النوع من الحراسة المستمرة ليساند بأدوات وإمكانات كبيرة لتسهيل عملية تطهير المجتمع الذي من المفترض أنه مدان سلفا، ولديه جاهزية للانحراف التام في حال غياب حراسة النوايا والفضيلة، آخر جهوزية حراسة النوايا هي تزويد سيارات الهيئة بدعامات مريعة ليس لها من تفسير واضح باستثناء أن هذه الدعامات هي بمثابة الضوء الأخضر للتدخل السريع في حال ضبط أي شخص يمارس الفرح مع حاله بشكل من الأشكال. كما في احتفالية الشابين اللذين توفيا في اليوم الوطني.
مشكلتنا مع منظومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكمن في فهم المعنى الحقيقي للأمر والمعنى الحقيقي للنهي، ومن ثم في تنفيذ القوانين التابعة لهذين الفعلين، وأتمنى فعلياً أن يتم تعديل الآلية التي يدار بها هذا الجهاز والمسمى ليتناسب مع وعي المجتمع ولتقبل فكرة وجود أفراد مرشدين لما يعرف بـ"المعروف" بمختلف أشكاله، وأن تضاف إليه عبارة "هيئة الإرشاد الاجتماعي" بدلا من كلمتي المنكر والمعروف اللتين من الواضح أن الاقتداء بهما من قبل أفراد الهيئة أنفسهم أصبح شكليا، وذلك بعد أن تحول المسمى إلى ما يشبه محاكم التفتيش. فيما لم يعد لمعنى الأمر بالمعروف أي مسوغ بعد أن أصبح إجباريا ومصحوبا بالضرب أو القتل. وكذلك النهي عن المنكر حيث إن اختلافا واسعا بين مفاهيم المنكر عند رجل الهيئة ورجل الشارع البسيط. يرى رجل الهيئة – إذا اعتبرنا كل جريمة قتل أو اعتداء هي تصرف فردي كما تدعي الهيئة – أن المفاهيم مختلفة، فالفرد المخول بعملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى أن اختيار المرأة مثلا لنوع عباءتها ومكان تواجدها منكرا لا يغتفر، بينما تراه المرأة -باعتبارها فرداً أيضا- حقا طبيعيا لها لا يمس حقوق الآخرين. مثلما أيضا يرى فرد الهيئة المخول بالأمر بالمعروف والمزود بسيارات ذات دعامات قاتلة تجول في شوارع المدينة وشرطي مرافق أثناء سيره في المجمعات والشوارع، إن تجول شاب بسيارة تصدر منها أصوات الموسيقى، أو التجول وحيدا في الأماكن العامة أو الشوارع منكر، بينما يراها الطرف الثاني حقا بسيطا يمارسه في وطنه.
الصراع يستمر، الوضع غير مرضٍ، المجتمع يسير باتجاه تطوره الطبيعي، والفردية المتشددة داخل هيئة النهي عن المنكر تزداد شراسة. انزعوا دعامات سيارات الهيئة وأعيدوا اختيار المنتمين لهذا الجهاز المفترض أنه إرشادي توجيهي. فالأشخاص المناسبون له هم الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون وليست الشريحة الموجودة ضمنه الآن.