على لسان أحد نصابي الشوارع كتب إلمور ليونارد ( .. إنك تسألني عما إذا كنت أعرف كيف أدون الكلمات على الورق؟ فهذا ما تفعله أنت أيها الرجل، إنك تدون كلمة وراء أخرى كما تتولد في ذهنك.. فقد تعلمت الكتابة في المدرسة، أليس كذلك؟ أرجو ذلك. فلديك الأفكار وبوسعك أن تدون ما تود قوله، ثم تأتي بعد ذلك بمن يضع لك علامات الترقيم، حيث يجب أن تكون... فهناك أناس يفعلون ذلك من أجلك.) ..الآن ونحن نعيش حالة كتابية عامة، ظلت تتفاقم منذ دخول الإنترنت حياتنا، حتى صارت في الغالب جزءا من يوميات الأفراد، تتخذ الكتابة شكلا يشبه الممارسة اليومية، كشرب الماء، وتعاطي الشاي والقهوة، ومراقبة الحمام يطير بعيدا بلا هدى.
لم تعد الكتابة ذلك العمل المهيب الوقور، الذي يمنح متعاطيها شيئا من التميز في المجتمعات. فالكل يكتب، الكل مغروزة عيناه في الشاشات على تنوعها، يحدث هذا تقريبا بذات الصورة التي كانت عليها الكتابة قبل العصر الرقمي، عند ( العرضحالجية) الذين ما زالوا إلى اللحظة يمارسون مهنتهم أمام الدوائر الحكومية، وإن تطورت أداوتهم ، واختلفت، لكن يبقى المضمون واحدا، لم يختلف عن مضامين ما قبل العهد الرقمي. فهل ينسحب هذا التصور على الممارسات الكتابية الأخرى في برامج التواصل، عبر الإنترنت؟
العرضحالجية لم يكونوا معنيين بإنتاج أفكار وتقديم رؤى وتصورات، عملهم مقنن ومحدد، فالكتابة عندهم هي أداة رزق، لكسب لقمة العيش، ليس إلا، ولكن مع ذلك كان بعض المجتمع يسميهم كتابا، ولكن ثم تمييزا( طبقيا ) بينهم وبين الكتاب الذي ينتجون أفكارا سواء عبر الصحف والكتب، وبغض الطرف عما إذا كان فعلا هؤلاء الكتاب يقدمون أفكارا وينتجون معرفة ، أو يجترون أفكارا مطروحة فقط، يمكن القول بوجود تشابه على نحو ما بين غايات ومستويات (العرضحالجية) ومعظم من يتعاطون الكتابة على مدار الوقت اليوم، بل إن بعضهم يبقى مجرد صلة وصل بين أطراف عدة، وما عليه سوى نسخ أو قص ما تتلقاه شاشاته ومن ثم إعادة بثه إلى آخرين، ربما يشابهونه في الممارسة.
إذن الكل يكتب، ولكن هل الكل يقدم أفكارا، تنتج معرفة، بعد أن تطرح أسئلة ؟ الكتابة ظلت كما هي، منذ اختراعها مجرد أداة، الذي يتبدل هو العقل البشري، والذي يتغير هو أنماط التفكير. الروائية الكندية مارجريت أتوود ذهبت إلى أنك (إذا كنت فنانا بصريا فأنت تقترب من الكتابة، من حيث سهولتها الظاهرة).