لعل من أكثر القضايا إثارة للرأي العام داخليا وخارجيا عن المملكة هي مسألة قيادة المرأة للسيارة، وذلك لما تمثله من معان كثيرة تبدأ من أحقية الإنسان بصرف النظر عن جنسه في حرية الحركة والتنقل ولا تنتهي عند التأثير الاقتصادي والاجتماعي الإيجابي الذي سينتج عنه قرار السماح لها بالقيادة، وذلك نتيجة استغناء الوطن عن ملايين السائقين من الأجانب الذين ينهكون ميزانية العائلات وكذلك الحد من تزايد حالات التحرش والاستغلال لبعض السائقين من ضعاف النفوس.
ففي ظل الحراك الاجتماعي النشط الذي تشهده المملكة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقد دعت مجموعة كبيرة من المؤيدين لحق المرأة في قيادة السيارة رجالا ونساء أن يكون يوم 26 أكتوبر القادم موعدا محددا لتأكيد ذلك الحق بحيث تكون مناسبة تتوحد فيها الجهود لإيصال الصوت لمتخذ القرار علما بأنه وحتى كتابة هذه السطور بلغ عدد الموقعين على البيان الذي وزع إلكترونيا أكثر من أحد عشر ألف سعودي.
لا بد أن أقول إنه من الصعب جدا النظر لموضوع قيادة المرأة للسيارة باعتباره مفسدة كما يدعي البعض، وكأن المفسدة تحتاج لذريعة حتى تحدث، كما أنه من الصعب الأخذ بمثل هذه الحجة الواهية والتي إن دلت على شيء فإنها تدل على الوصاية والاستخفاف في أخلاق نصف المجتمع والنظر إليها بأنها قاصر وغير قادرة على الدفاع عن نفسها أو أنها كما يعتقد البعض رأس البلاء وأيقونة الفساد والإغواء المجرم.
ذرائع المعترضين تتحفنا في كل مرة بما ينسينا سذاجة الحجة التي سبقتها، فيخرج علينا أحدهم قبل يومين محذرا المرأة من القيادة لأن ذلك سيؤثر على مبايضها وحوضها، والغريب في الأمر أنه لم يحذر في ذات الوقت الرجال خوفا على أحواضهم وعلى السكر والضغط اللذين أصبحا داءهم المزمن نتيجة الازدحامات والاختناقات المرورية التي تشهدها معظم مدن المملكة.
حرية الحركة أحبتي هي حق إنساني لا يمكن تقنينه أو الحد منه أو منعه على أحد، لأن ذلك يسمى بأبسط تعبير (سجنا)، ولا أعلم كيف يمكن أن يستمر سجن نصف المجتمع وقد خلقه الله حرا مسؤولا عن تصرفاته ومتساويا مع الرجل أمام القانون في حقوقه والتزاماته، كل ذلك من أجل تخوف البعض من نتائج افتراضية أو عدم الثقة في نساء محيطه!