لعل "الوطن" هي الوسيلة الإعلامية الأولى التي تصل إلى غرب تهامة قحطان وتحديدا مركز "ردوم"، وذلك بمساعدة "طيران الأمن" الذي نظم رحلات إغاثة خلال الأمطار التي شهدتها المنطقة قبل أسبوع، وكذلك للوقوف على حجم معاناة تعيشها نحو 400 أسرة لا يتجاوز تعدادها ألف فرد بحسب إحصائية المركز الصحي، ويعيش معظمهم في أكواخ مبنية من الحجارة ومسقوفة بجذوع الأشجار، في حين يفترش بعضهم الأرض ويلتحف السماء، إلا من نسق قليلا من أسقف تسمح بتسرب مياه الأمطار إلى حيث يعيشون وسط أغنامهم التي ألفوها وألفتهم.
أكل مع الأغنام
قررت "الوطن" مرافقة الفريق الطبي الزائر ضمن أعمال الإغاثة، والتقت خلال زيارتها "العم" محمد عيفان طيب وأسرته في الضفة الأخرى من وادي ردوم، وتنقل معاناة تلك الأسرة. فعلاوة على أن رب الأسرة مصاب بالسكري وضغط الدم، فإن الابتسامة لا تفارق وجهه، لا سيما عندما التقطت عدسة "الوطن" قطة مستأنسة وماعزا تشاركانه ما تبقى من وجبته، إلا أنه رد بسرعة قائلا "هذه حياتنا.. نعيش مع أغنامنا".
أسماء الأغنام
وللماعز والأغنام في "ردوم" أسماء عديدة وألوان مختلفة. فكل لون له دلالاته واسمه الخاص به. فهي جزء من حياة الناس إذ يعتاشون منها، سواء من لحومها أو مما تنتجه من ألبان وغيره. ويسمون الماعز الصغير "جفرة"، أما الضأن فيسمونها "البياض". وللماعز والأغنام فوائد كثيرة، فمن صوف الغنم أو شعر الماعز كانوا يصنعون الشُقق وبيوت الشعر وكذلك "القربة" التي يخضون بجوفها الحليب ليصبح لبنا، ومعه الزبدة. والقطعان إن كانت من الماعز أو الشياه، لها محبة كبيرة وواسعة في حياة أهالي تهامة عموما، فكانت وما زالت مهور الزيجات تتم عن طريق الماعز والأغنام.
ويطرب القطيع وهو يرتع في الجبال مع الراعي، على النغمات، وتجده يسرح في الجبال دون كلل أو ملل. وعندما تسير في أودية تهامة وفي قمم الجبال، تجد "المقيال" بكثرة، وهو عبارة عن كومة من الحجارة، مرصوفة بعناية لتشكل غرفة صغيرة، مسقوفة ببعض جذوع الأشجار ومغطاة بورقها، وذلك لغرض الحماية من أشعة الشمس، ولمراقبة القطيع.
فراسة
عادة ما تأتي سيول الأمطار فجأة إلى تلك الأودية، ومعظمها منقولة، من محافظتي سراة عبيدة، وظهران الجنوب ومراكزها وقراها، وأحيانا منقولة من محافظات يمنية، تكون محملة بجذوع الأشجار التي جرفتها في طريقها. ويؤكد "العم" مبطي مداوي أن خروج الجمال مسرعة من بطون الأودية، مؤشر على أن هناك سيلا آتيا، ومن سرعة الجمال يعرفون حجم السيل. ويقول إن الجمال أمدها الله باستشعار خطر السيول قبل فترة من وصولها إلى منطقتها، وكذلك الطيور عندما تزيد زقزقتها، وتطير متنقلة بسرعة بين الأشجار فهو مؤشر آخر، وإنهم يعرفون من أي منطقة قدم السيل وذلك بلونه الذي اكتسبه من تربة المنبع.
التثقيف الصحي
يغلب في تهامة قحطان حال "الوضع الصحي" ومعه حال "الوعي الصحي" بالرغم من كل الجهود التي تبذلها الدولة ممثلة في وزارة الصحة، وفي إطار خطط استراتيجيتها العامة. ولعل أنشطة التثقيف الصحي القائم على مهارات التواصل الفعال في المجتمع تمكن الناس أكثر من اكتساب المعلومات والمهارات اللازمة للحفاظ على صحتهم وتحسين نمط سلوكهم ونوعية حياتهم، وذلك من خلال تزويدهم بالمعلومات والمفاهيم الصحية التي يحتاجون إليها في سبيل مساعدتهم على معرفة الأسباب والدوافع الكامنة حول مرضهم. ويشير منيح مداوي إلى أن حاجتهم قائمة في المركز الصحي إلى أشعة سينية، وطبيب أسنان، وطبيبة نساء وولادة.
عشة مبطي
حالات متفرقة في قرى مركز ردوم تفتقر للرعاية، ومن هذه الحالات المواطن مبطي مداوي الذي قضى جل حياته في مسكن عبارة عن "عشة" مبنية من الحجارة ومغطاة بشراع بلاستيكي لا يحميه من برد الشتاء القارس ولا من حرارة الصيف وهجيره ليس عليه باب، مؤكدا أنه ينام على فحيح الأفاعي.
وتحدث مبطي من "عشته"، عن قصة حياته حيث يروي بلغة بدت عليها الشيخوخة، ولا نكاد ندرك منها إلا القليل، أنه من سكان ردوم في تهامة قحطان وعمره تجاوز الـ80 عاما ويعاني من ضيق ذات اليد وعنده أسرة كبيرة، هناك من لا يود أن يغادر مكانه. وقال: هنا ولدت وهنا أموت". لكن بعضهم يريدون العيش في مكان أرحب، وقالوا: متى تهيأ لنا أرض وقرض غادرنا تهامة وعشنا في السراة.
الاتصال
يبدو أن شركة وحيدة من شركات الاتصال العاملة في المملكة هي من يسيطر على سوق الاتصال في ذلك المركز، إذ إن مترا مربعا فقط أمام المركز يستطيع فيه أحدهم أن يجري اتصالاته بالعالم الخارجي. أما ما عداه فيتعذر الحصول على إشارة إلى عشة أحد الساكنين وتحديدا في زاوية ضيقة من العشة يمكن الاتصال وهو ما يتيح لتلك الأسرة أن تتنعم بالتواصل مع أقربائهم في الحجاز.
تنمية
يشير مواطنون من "المركز" إلى أن العمل في عقبة ردوم وإيصالها إلى عقبة آل "جليحة" ومنها إلى عقبة "ذهب" بات متعثرا حيث مضت سنتان دون أن يكون هناك تقدم في أعمالها، وأن الوضع بات مؤرقا للأهالي، وأن مشروع سقيا المواطنين من بئر وسط الوادي، وهي مطمورة بالأتربة ولا يستفاد منها، على حد قولهم. وأن الحاجة قائمة لمجمع تعليمي للبنين والبنات ومركز مكافحة الناقل، مخفر شرطة، وفرقه مجاهدين، وحاويات بلدية، فرقة طوارئ كهرباء.
تعليق الدراسة
والتقت "الوطن" بطلاب يدرسون في مدارس المركز الثلاث ابتدائي متوسط وثانوي، وتحتفظ بأسمائهم، أكدوا أنه منذ شهر وأكثر لم يتلقوا درسا واحدا، بل إن أحدهم قال: هنا وهناك يوم مشمس، لكن سحابة ظللت طريق المعلمين فعادوا أدراجهم إلى حيث سكناهم في أبها وخميس مشيط وجازان.
والحال يمتد إلى مدارس البنات، ويرى طالب مرحلة ثانوية أنه يجب أن تستقطب جامعة الملك خالد طلابا من تلك الجهات على أن يستثنوا من بعض شروط الجامعة ليعودوا ويعملوا في قراهم.
وفي المقابل أكد رئيس مركز "ردوم" عبدالله علي أبو زندة أن طلبات الأهالي سترفع للإمارة، تمهيدا لعرضها على المجلس المحلي.
يذكر أن أعمال إغاثة عاجلة خلال الأسبوع الماضي لإغاثة نحو 400 أسرة متضررة من السيول التي اجتاحت الأجزاء الغربية من تهامة قحطان. وتمكن طيران الأمن وفي رحلات مكوكية بقيادة الرائد طيار حسين الشهراني والرائد طيار ممدوح الدبيان من الوصول إلى مركز ردوم في مدد وجيزة. "الوطن" رافقت الرحلات على مدى يومين، وتمكنت لجنة الإغاثة من إيصال 400 سلة غذائية في نهاية أعمالها. وتحتوي كل سلة على نصيب أسرة من الأرز، الدقيق، الحليب المجفف، زيت الطعام، الشاي، وقدم الفريق الطبي الخدمات العلاجية لنحو 92 فردا يعانون من ارتفاع ضغط الدم، والسكر، والتهابات في الصدر.
الجوانب الأمنية في تهامة
• منطقة حدودية، إذ إن جزءا كبيرا منها يحاذي الحدود اليمنية ولمسافات طويلة.
• كثرة أوديتها وطرقها مع صعوبتها ووعورتها إذ إنها مناطق جبلية، كل ذلك جعل منها معبرا سهلا لمن أراد التهريب سواء للأسلحة أو المخدرات وإيصالها إلى أي مكان في المملكة.
• كثرة المتسللين والمتخلفين، واتخاذهم من (مناطق تهامة) وأوديتها – أماكن للإقامة، أو طريقا للوصول إلى كافة مناطق المملكة، ويشكلون خطرا يهدد الأهالي القاطنين في هذه الأودية كما صرح به بعضهم، إضافة إلى خطرهم على عموم المناطق التي يصلون إليها.
• كثرة العمالة الوافدة (النظامية وغير النظامية) ووجود تجمعات لهم تشكل خطرا اجتماعيا وأمنيا.