طموحه ورغبته في نهل المعرفة من جامعات العالم العريقة، كانا دافعا ومحفزا للمبتعث السعودي علي العساف للإقدام على رحلة طلب العلم متوجها إلى بلاد "العم سام". وكأي طالب مغترب عن بلاده اعتاد العساف الترويح عن نفسه بزيارة الأماكن السياحية والترفيه، وتناول الوجبات الأميركية الدسمة تارة أخرى، لكن زيارته الأخيرة لأحد مطاعم ولاية إيداهو الأميركية في 17 فبراير الماضي النائية دمغت آثارها الوحشية على جسد الشاب العشريني، كما تركت إعاقة دائمة في أصابع يديه وندبات لم تمح آثارها بعد شهور طويلة عن جبهته، بعد أن أقدم ثلاثة أميركيين من أصحاب السوابق بالتهجم عليه أمام ناظري شرطة بلادهم، ومطاردته 3 كيلو مترات لينهالوا عليه ضربا ويهشموا أصابع يديه بحجارة كبيرة ويحاولون خنقه، ليتركوه في مواقف السيارات ينزف وثيابه تملؤها الدماء غير آبهين عاش أم لم يعش.


تفاصيل الاعتداء

ويروي المبتعث تفاصيل جريمة الاعتداء عليه لـ"الوطن" بقوله إنه اعتاد أن يسهر في أحد مطاعم مدينة إيداهو، حيث يكثر تواجد الطلبة السعوديين من زملائه، وفي وقت متأخر من الليل خرج العساف من المطعم، ومشى على الرصيف المجاور ذاهبا باتجاه سيارته، ليجد 3 شبان أميركيين بدؤوا التهجم عليه لفظيا، لا لشيء إلا لعرقه فهو عربي ومسلم، ولكنه حاول جاهدا تجاهل ما يقولونه، لتأتي الشرطة إلى المكان، عندها شعر بالأمان ظنا منه أن العقاب سينال منهم لأنهم بالغوا في إساءتهم له، فأخبرهم أن المعتدين تعرضوا له لمرتين متتاليتين ليتفاجأ بقائد الدورية يقول له بلهجة استفزازية "اذهب، هيا اذهب إلى منزلك". فما كان منه إلا أن التزم بالنظام واتجه لسيارته ليقودها متجها إلى سكنه الجامعي، ولكن المفاجأة أنه ولدى وصوله إلى المواقف التي تبعد ثلاثة كيلو مترات عن المكان الأول، شاهد الأميركيين يغلقون الممر أمام سيارته، مانعينه من محاولة التفكير بالانسحاب من مواجهة باتت محتومة، وبدأ الشجار ليجتمعوا عليه، وبدؤوا بشتمه وتعييره، ولكن المسألة لم تنته هنا، حيث أقدم أحدهم بوضع يده خلف رأس المبتعث ومحاولة خنقه بكامل قوته، ليأتي الآخر بحجر كبير ويضربه به على جبهته، عندها فقد الشاب الوعي، ولم يصح من غيبوبته القصيرة إلا وصخرة تهشم أصابع يده، ليهرب المعتدون من المكان، متأكدين أن ضررا لن يصيبهم، عندها قدمت الدورية التي حلت الخلاف الأول بـ"اذهب إلى بيتك" لتستدعى الإسعاف وتسجل محضرا بحادثة الاعتداء.


"زبط نفسك"

يشير العساف إلى أنه وفي اليوم التالي للحادثة عزم النية على الاتصال بالملحقية، بوصفها الممثل لبلاده في الخارج، وبعد عدة محاولات للوصول إلى الشخص المسؤول رد محامي الملحقية سيف، من الجنسية السودانية، فشرح المبتعث له حادثة الاعتداء التي تعرض لها، فما كان من المحامي إلا أن فاجأه بأن "زبدة الموضوع"، أن المدعي إذا كان سعوديا فليس للملحقية أي علاقة به، واستطرد قائلا بالعامية "زبط نفسك بنفسك".

ولدى طلبه ترديد ما قاله، عاد ليقول "إن كان معك حق زبط أمورك بنفسك، وممكن نعطيك استشارات فقط لا غير"، مضيفا أن القانون واضح وصريح، وهذه نقطة على السطر، انتهت المكالمة".

وأكد العساف أن مكالمته الهاتفية مسجلة، وبإمكان الجهات الرسمية العودة إلى سجلاتها للتأكد من صحة ما قال، وأضاف: قلت له أريد منك خدمة واحدة، حولوا قضيتي للسفارة.

وبعد شهر ونصف الشهر من الانتظار رن هاتف المبتعث، ليجد المتصل مسؤولا من السفارة، وعندها استبشر خيرا، فبادره مسؤول السفارة بالقول "ما جديدك، أي شي جديد يصير معاك اتصل فينا"، فأجابه أنه يريد المساعدة، ليرد المسؤول "ما لنا دخل فيك".





تكالب المشاكل

ويسرد العساف أن المشاكل بدأت بعد الحادثة بالتكالب عليه، فالمكافأة لا تكفي في الأحوال العادية، فكيف في حال شخص منوم في سريره، استنزفت الحادثة أمواله، حيث إنه لم يعد قادرا بعد الإصابات التي عانى منها من خدمة نفسه، حيث أصبح غير قادر على دخول دورة المياه بنفسه، لأن يديه كانتا مجبستين 100%، وتملؤهما قضبان صغيرة من الحديد، بعد تهشم العظم.

وبعد أن ساءت أحواله أكثر، طلب من مسؤولي الملحقية إيقاف البعثة لفصل دراسي حتى يكمل علاجه مع الطبيب الذي باشره، فما كان من موظف البعثات إلا أن أخبره أنه وفي حلال توقيف البعثة فلن يتمكن من استخدام التأمين الطبي. فأجابه المبتعث أن طلب الإيقاف ليس تأففا من الدراسة، ولكن حالته الصحية تستلزم ذلك، وعرض له التقرير الطبي الذي يوضح استحالة مواصلته الدراسة، كما زوده بقرار لقبول عذره من الجامعة، وخطاب من الهجرة والجوازات الأميركية بتفهمهم لوضعه وتسويته وضع إقامته الشرعية في البلاد.

عندها تنهد الموظف قائلا: أمامك حلان إما إيقاف البعثة وإيقاف التأمين الصحي معها، أو الإبقاء على البعثة والصرف ويتم حسمها من وقت بعثتك البالغة أربع سنوات.


محاولة قتل

عاد العساف إلى سكنه الجامعي حائرا في أمره، واتصل بالمحامي الذي وكلته له السلطات الأميركية للترافع عنه، ليسأله عما جرى في حيثيات المحاكمة التي أقامها ضد المعتدين، فقال له بعد أول جلسة "لا تخرج وحيدا، ولا تغادر بيتك في وقت متأخر من الليل". ولدى سؤاله عن السبب أجابه المحامي "المرة الأولى حاولوا قتلك بضربك بحجر على رأسك وخنقك، أما المرة التالية سيقتلونك". ويقول العساف: "كان وقع كلامه مدويا، فمدينة إيداهو صغيرة، بل هي أشبه ببلدة، كيف يمكن لشخص أن يعيش في مكان يعرف فيه أنه عرضة للقتل في أي وقت؟". وقرر أن يحاول حماية نفسه بأي طريقة، فقام بعد زيارات لإدارة الجامعة يعلمهم فيه أن حياته ستكون في خطر في حال عدم توفير حماية له، كما أنه أوضح للجامعة أن عدم تزويد السكن بكاميرات يعد ثغرة أمنية، فما كان من الجامعة إلا أن وضعت كاميرات.

وأضاف العساف أن المحكمة أفرجت عن المتهمين بكفالة أقل ما يقال عنها أنها غير كافية، مشيرا أن المجرم لن يتوانى عن دفع 3 آلاف دولار للهروب من خلف القضبان.

وأشار إلى أنه تم فصل القضايا لكل من المتهمين، بينما لم يدخل الثالث أصلا في المحاكمات وذلك لصغر سنه، مضيفا: أنا لا أعرف الكثير في القانون، تواصلت مع المحامي مرتين أو ثلاثا وأخبرني بأنه إن كان بحاجتي سيتصل بي، وإذا تذكرت أي معلومة إضافية علي الاتصال به، وتم تأجيل جلسة الحكم على المعتدي الأول من قبل محامي الدفاع عني دون علمي، حيث إنني اتصلت عليه في 29 أبريل وسألته إن كان هناك محاكمة فقال لي إنه ليس هناك محاكمة في 30 أبريل الماضي فقد تم تأجيلها دون إعطائي أي تفاصيل إضافية".


براءة المعتدي

وفيما يتعلق بتبرئة المعتدي الثالث، أكد العساف أن الشرطة برأته فورا بحجة أنه كان ثملا، ولا يعي ما يفعل، والسبب الحقيقي وراء ذلك أنه ما يزال تحت السن القانوني، فهم لا يريدون توريطه مع المجرمين.

وأضاف: واجهت تحيزا كبيرا ضدي من قبل الشرطة، الأمر الذي زعزع كل النظريات التي سمعتها في أوقات سابقة عن العدالة ومعاملة الناس سواسية في القانون الأميركي.

وتابع: "تعرض أكثر من زميل لي للضرب، لكن قضيتي كانت الأكبر"، واستطرد قائلا: "ظلمتني الشرطة ودليلي هو بقائي لفترة شهرين وخمسة أيام، أذهب إليهم 3 مرات أسبوعيا لطلب تقرير مفصل ورفضوا إعطائي إياه، إلى أن وصلت قضيتي للإعلام الأميركي، حيث نشر خبر بخصوصي في الساعة السادسة صباحا، فجاءتني الاتصالات في تمام الساعة الثامنة من المحكمة ومن الشرطة لاستلام التقرير، كما وردتني مكالمات من الجامعة".

وعن معاناته الحالية، أشار العساف إلى أنه غير قادر على الذهاب للجامعة منذ ثلاثة أشهر، ومن الممكن أن يبقى لشهرين إضافيين لن أستطيع السفر للمملكة خلالهما، حيث إنه من الممكن أن أطلب لحضور الجلسة في أي وقت، وإذا لم أحضر فبالتأكيد سأخسر المحاكمة.

وأشار العساف إلى أن سيارته تكسرت، كما أنه يعاني أوضاعا مادية قاسية.

واختتم العساف بقوله، أنا على ثقة أن الملحق الثقافي في واشنطن الدكتور محمد العيسى إنسان جيد، لكن المشكلة تكمن بتعامل بعض الموظفين، حيث إن أخباري نشرت في صحيفتين والمركز الإعلامي لم يوصل أي خبر للملحق.

ويقول أحد المبتعثين من زملاء العساف الذين شهدوا قصته، إن الحادث تسبب للعساف بخسارة فصل دراسي كامل، كما أنه لم يكن قادرا على قيادة سيارته أو الطبخ، واضطر إلى توظيف عامل لتنظيف البيت والطبخ له، فيما لم تقدم له أي مساعدة مالية للتغلب على ظروفه الصعبة.

ويضيف: كما أنه اضطر للطلب من الجامعة لتركيب كاميرات لحمايته بجوار منزله وإسكانه لثلاثة أشهر بالمجان، وطلب حمايته، كما أن المحامي الموكل عنه، لم يكن على قدر المسؤولية والأمر الذي أدى للإفراج عن المجرمين بثلاثة آلاف دولار لكل منهما.

واتصلت "الوطن" غير مرة بالملحق الثقافي الدكتور محمد العيسى للوقوف على رأيه في القضية، إلا أنه لم يرد.

وكانت المستشارة القانونية للمدعي العام في ولاية إيداهو الأميركية دارلا قالت لـ"الوطن" إن قاضي المحكمة طلب تخفيف صيغة الادعاء على الأميركي تايغر ريتشمان الذي اعتدى وزميله على العساف بالضرب الذي سبب له إعاقة دائمة في أصابع يده، مبينة أن الصيغة الجديدة أصبحت "جنحة اعتداء جنائي"، بعد أن كانت "جناية اعتداء متفاقم واعتداء بسلاح مميت".