{ليلى} اسم يتوهج على أصابع الشعراء، ويزهر في حناجرهم كما يزهر الفرح في مخابئ النفوس التواقة للضوء الشفيف، وكما تطفئ سلال الغيم لفح الهاجرة المستبد، حينما يحط على أوراق قصائدهم فكأنه طائر حط على القلب وغنى، يطربهم ويرعبهم ويشقيهم ويسعدهم، يرف كالسحابة في فجاج الريح معهم، ويشعل المدفون والمحترق بين ضلوعهم، تسمع رنة خلخال {ليلى} في حداءاتهم ومفتتح تباريحهم وزفير أوجاعهم، وطواحين أحلامهم على مر الدهور، إنها نرجس عذابهم المعتق، ورجع أغانيهم العطشى، إنها النشيد الذي سكبه الأفق الناعس على سحناتهم فلم يخفت، وواحة الجمال والدفء والإكسير المضمد للجراح الظمأى في صبواتهم وتغزلهم مهما كابروا بصلابتهم وعنفوانهم، فهم أمام ليلى كالزنبقة الوسنى والعصفور المضنى، ألم يصرخ شاعر من شجعانهم وفتواتهم: سمع الخلي تأوهي فتلفتا.. وأصابه عجب فقال من الفتى؟ / فأجبته إني امرؤ لعب الأسى.. بفؤاده يوم النوى فتشتتا/ قد كان لي قلب أصاب سواده.. سهم بطرف فاتر فتفتتا/ تبع الهوى قلبي فهام وليته.. قبل التوغل في البلاء تثبتا.
إن المتتبع لسجل شعراء العربية يذهله حضور هذا الاسم دون غيره، الذي يحرك الشعرية العربية دون أن تجد تفسيرا لهذا الاستشراء الهائل، والحمولات العاطفية المطلولة بالأنداء والعذوبة وعبير الغبطة وصهد المشاعر المحمومة، وسأسرد بعضا من تلك {الليالي}، يقول أبو صخر الهذلي في محبوبته ليلى: فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى.. وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر، ويقول عمرو بن كلثوم: أفي ليلى يعاتبني أبوها.. وإخوتها وهم لي ظالمونا، ويقول قيس بن الملوح: على مثل ليلى يقتل المرء نفسه.. وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا/ خليليَّ إن ظنوا بليلى فقربا.. لي النعش والأكفان واستغفرا ليا، ويقول جرير: إذا ذكرت ليلى أتيح لي الهوى.. على ما ترى من هجرتي واجتنابيا، ويقول أبو بكر بن عمار: أشاقك برق أم جفاك حبيب.. فليلك فضفاض الرداء رحيب؟/ نعم هجر ليلى علم الليل وصلتي.. وعلم دمع العين كيف يصوب، ومن الشعراء المعاصرين إبراهيم ناجي يقول في قصيدته {في الظلام}: أليلاي ما أبقى الهوى فيَّ من رشدِ.. فردي على المشتاق مهجته ردي/ مجنحة صيغت من النور والندى.. ترف على روض وتهفو إلى وردِ، ويقول إلياس أيوب: قتلى جفونك يا ليلى بلا عددِ .. ردي لحاظك بات السهم في كبدي/ تأكدي أنني لو مت من ظمأ.. وقيل لي دون ليلى الماء لم أردِ، ويقول فهد العسكر: ليلى تعالي واسمعي وحي الضمير وحدثيني.. ودعي العتاب إذا التقينا أو ففي رفقٍ ولينِ، وغير هؤلاء كثير من الشعراء والقصائد المحتشدة والمحتفلة بليلى، كأيقونة وقيثارة مشبوبة في فم كل شاعر.