من منا قادر على أن يحصي عدد المؤتمرات والندوات والاجتماعات وورش العمل، التي أوصت في نهاية أعمالها بتضمين عشرات المسائل في مناهج التعليم، إما للقضاء على ظواهر سلبية متفشية في المجتمع، أو للتثقيف والتوعية والتعريف بمسائل بات الجهل بها أو تجاهلها سببا في معاناة الدولة والشعب جراء تداعياتها، مثل المخدرات والجريمة والعنف الأسرى والانتحار وقتلى حوادث السير والغش والاحتكار وغياب الإخلاص واستشراء الفساد وضياع الذمة.
أنا على يقين أن الدولة لو أخذت بتلك التوصيات ووجهت وزارة التربية والتعليم بتضمينها في مناهج التعليم لفاقت الكتب المخصصة لها عدد كتب المناهج المعتمدة، ولما أتت هذه السياسة بما عولت عليه تلك التوصيات، بل أجزم أن النتائج ستكون عكسية، ولعل منهج "الوطنية" خير شاهد على ذلك فهو منهج غير مرحب به لدى الطلبة، ولم يحقق الأهداف التي كانت وراء فرضه، فالفجوة الكبيرة الموجودة في فكر ونفسيات جل الطلبة تجاه التعليم ذاته وتجاه المدرسة كافية لاتخاذ الطلبة موقفا سلبيا من مناهج التعليم كلها، وبالتالي لن تكون للمناهج الإضافية مساحة قبول.
وكل السلوكيات والممارسات الخاطئة والظواهر الخطيرة التي نشكو منها ومن فاعليها كان إجماع الناس في مجالسهم ونقاشاتهم، وكذا ما يتم تناوله عبر وسائل الإعلام، أنه لا حل لها إلا من خلال مناهج التعليم. ولن أحدثكم ولن أحصي لكم عدد المنشآت والمشاريع المباشرة وغير المباشرة التي تصرف الدولة عليها مليارات الريالات سنويا لصيانتها والحفاظ عليها بسبب العابثين وغير المبالين، ولن أحدثكم عن الرقم الذي تصرفه الدولة سنويا على الصحة والسلامة والنظافة والبيئة جراء قلة الوعي والمعرفة والوقاية، ولن أحدثكم عما تصرفه الدولة على الرقابة جراء انعدام الذمة والضمير.
ما أود قوله، إن كل تلك المشاكل والظواهر المستشرية في المجتمع، التي باتت مزعجة للغاية كان بالإمكان تداركها والحد منها أو الحيلولة دون انتشارها لو أولينا المعلم الذي يصنف على أنه رأس الحربة في العملية التربوية والتعليمية حقه عبر تأهيله بشكل دائم، والصرف عليه بلا تردد، وإراحته في راتبه ومسكنه وعلاجه وأسرته، ليتفرغ تماما للعمل التربوي، وليبدأ يومه بشوق ورغبة وحب وإبداع، فهو القادر على إحداث الفارق بين ما هو عليه حال طلبتنا الآن، وما ينبغي أن يكون عليه الحال في سلوكهم ووعيهم وإدراكم وتفاعلهم الإيجابي مع ما يدور حولهم وتأثرهم بما يسمعون ويشاهدون ويقرؤون، لا تلك المناهج التي تظل صامتة وسلبية بلا طعم ولا رائحة، كون من يتعاطى معها ويشرحها لهم لا نفس له ولا روح لديه، ولا حافز يدفعه للعمل والبذل والإنتاج والإبداع، ومن ثم لا يمكن أن يكون قدوة أو مثالا فاعلا ومؤثرا لملايين الطلاب عبر ما يقول وما يفعل وما يأمل وما يسعى وما يحلم.
لنصرف تلك المليارات من الريالات بلا تردد على المعلم الذي سيوفر لنا أكثر منها على المدى المتوسط والبعيد، وسيكسبنا جيلا يحقق أحلامنا ويقضي على تلك الظواهر المزعجة لنا، ويسهم في التغيير والإصلاح الذي ننشده.