سهل على شخص قضى آخر عشر سنوات من حياته خارج بلده أن يلاحظ التغيير مهما كان بسيطا، فما بالكم بالتغيير الجذري!
كم كنت أتعجب من إطلاق لفظ "مجتمع منغلق" أو "مجتمع مغلق علينا"، بل على العكس تماما نحن أكثر شعوب العالم القابلة للتغيير والمرونة كالصلصال.. أنا متأكدة أن أغلب من يقرأ كلامي يخالفني الرأي أو يطلب مني تعريفا للمرونة والتغيير، ألم يكتف بتعايشنا وتصاهرنا وانتمائنا لوطن واحد رغم الاختلافات الجغرافية والمناخية والطبيعية بل والثقافية الشاسعة بين كل منطقة وأخرى؟! وكي لا أدخل بالديباجة المعتادة سأسرد لكم ما رأيت في أحد الأسواق الشعبية في منطقة الرياض.
فتاة سعودية بكامل حشمتها، أمامها طاولة عليها ثلاث حافظات طعام ضخمة، إحداها كان للبليلة، وسخانة ماء وأكياس شاي وباكيتات قهوة وسكر وحليب.. بعدها بخطوتين رجل سعودي يعرض على طاولة أمامه عطورا ومعمولا ودهن عود.. بعده بخطوات وعند النافورة امرأة سعودية تبيع جميع المستلزمات النسائية التراثية، وهذه المرأة ذات لسان رطب لا يكف عن الدعاء للزبون سواء ابتاع منها أم لم يبتع، وعلى العكس تماما، وفي محل يقابل محلها يوجد به بياع من جنسية آسيوية مكفهر الوجه سليط اللسان، ويقابله خلف النافورة إلى جانب ركن الألعاب شاب سعودي من ذوي الاحتياجات الخاصة خلفه سيارة "فان" بيضاء وأمامه طاولة عليها بضاعة، وقرب كرسيه المتحرك ثلاجة ماء وعلى يمينه شخص يعاونه. لم نكن نرى هذه الصور قبل 10 سنوات، لكن آباءنا رأوها قبل 30 عاما وأجدادنا عاشوها قبل 70 عاما. أليس هذا انفتاحا ومرونة وليونة، أن يتغير مجتمع كامل، من مجتمع منتج يفلح ويزرع ويحصد ويصنع إلى مجتمع مستهلك 100% ومن ثم تأتي محاولات العودة حتى لو كانت خجولة لكنها موجودة؟!
أعلم أن هناك من سيقول إن هذا نتاج طبيعي للطفرة، وإن الأمور ستهدأ يوما وتعود لمسارها السابق، وأنا أتفق تماما مع هذا القول ولا أعارضه، لكن ما أود أن أشير إليه هنا في كلامي هي الفترة الزمنية القياسية التي يحدث فيها التحول، فالسعوديون أسرع شعوب العالم تكيفا، ربما لأن الدولة قامت رغم اختلافنا وتنوعنا، فأصبح التأقلم والتكيف من أساسات وسمات المواطنة.
في الختام: أود أن أشكر جميع من ذكرت في السوق لإدخالهم الفرح والسرور والبهجة الحقيقية على نفسي، وأنه بعد عشر سنوات سنخرج باذن الله من الدول المستهلكة 100% بأمثالكم.