كانت وما زالت الشعوب التي تطبق القوانين والأنظمة بـ"المزاجية" وأحيانا أخرى بـ"الانتقائية"، شعوبا غير منضبطة، ولا تستطيع تحديد مصيرها أو حتى أساليب حياتها، وعلى الجانب الآخر تقدمت الكثير من الدول، وأصبحت تتفاخر بتطورها وتنميتها الشاملة؛ لأنها أقرت القوانين وطبقتها بحذافيرها على كل أفراد المجتمع بلا تفرقة، ونجد شعوبا كشعبنا يكثر الحديث عن جدوى القوانين المنظمة لجميع شؤون الحياة، ويطالب بالتنفيذ الحرفي لها، بل تجد معظم – وليس كل – السعوديين عند ذهابهم إلى الخارج، يلتزم بجميع الأنظمة والقوانين، ويتجنب تجاوزها أو مخالفتها، وعندما يعود لبلده يعود لسابق عهده، وكأنما لم يستفد شيئا من تجاربه في تلك الدول. وهنا السؤال المحير جدا، لماذا السعودي يحترم قوانين الدول التي يذهب إليها ويخالفها في بلده؟!.

من وجهة نظري، أن السعودي أصبح يدرك أنه يعيش في بلد دستوره "الكتاب والسنة"، ومن ثم يذهب لأي جهة ليجري أي معاملة في أي قطاع حكومي أو خاص، ليجد أن أموره لن تمشي بسهولة، فالواسطة تتجاوز كل القوانين، والرشوة في بعض الجهات تكسر كل المبادئ، والمعرفة الشخصية تمحو كل المعوقات، والمكانة الاجتماعية تزيل كل الصعاب.

وبهذا نحن نخلق بأنفسنا وبلا شعور حالة من "التفرقة" من الغالبية تجاه إيجاد القانون وتطبيقه.

كلنا ندرك أن الحلول ممكنة ولكن من يلتزم بها؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، كان أي فرد من أفراد مجتمعاتهم يستطيع أن يختصم ويحتكم معهم لدى القضاء الشرعي، أما نحن فنتباهى بإسلامنا لكننا لم نطبق معظم ما جاء به الإسلام، وبقينا نتحدث كثيرا عنه ونعمل بقليل منه، وعلينا أن نقر بأن الدول المتقدمة ربما كانت إسلامية بلا إسلام - كما يقال -، وعلينا أن نعترف أن أنظمة الأمم المجاورة أو حتى البعيدة عنا لم تتقدم إلا باحترامها للقانون، يحتكم كل أفراد المجتمع له مهما علا شأنهم أو كانت مناصبهم أو مكانتهم، لذلك يجب علينا أن نحترم دستورنا "القرآن والسنة"، ولنُلغِ نظام الواسطة التي أفسدت المجتمع، وأفسدت الأحلام والطموحات، وحيدت الكفاءة جانبا، ولننزع القبلية والمذهبية والطبقية والفوقية والمكانة المجتمعية ونتركها بعيدا عنا، ولنطبق القوانين كما كتبت بلا تجاوز أو تخاذل أو إهمال أو انتقائية، وليكن بمقدور أي فرد من أفراد الشعب أن يحتكم هو وأي مسؤول أمام قاض واحد بلا تفرقة، ولنتلمس في واقعنا سلطات ثلاث مستقلة استقلالا تاما عن بعضها البعض، ولنفسح المجال للسلطة الرابعة لتكون رقيبا ومعينا، بكل مهنية وحياد ومسؤولية، وقتئذ يحق لنا أن نبني بلدا حضاريا متطورا حديثا، في ظل القانون والعدالة والتسامح.