نستطيع أن نصف حلقة يوم الأحد الماضي بتاريخ 15 سبتمبر 2013، من برنامج الثامنة للإعلامي داود الشريان، بأنها حلقة قصة أغرب من الخيال.. قصة أم أمل، وهي نموذج الفتاة التي عانت الظلم سنين طويلة، وسأختصر قصتها؛ حيث وقعت فريسة مكيدة قامت بها زوجة والدها منذ ما يقارب 21 عاماً حين اتفقت مع رجل باكستاني على الاعتداء على ابنة زوجها لإزاحتها من طريقها، ومن ثم تم تهريبها من السعودية إلى باكستان لتتزوج من هذا الرجل الباكستاني، وتعيش عيشة الذل والهوان، وتعمل عاملة في المنازل من أجل أن تربي أبناءها الثلاثة، وبطريق الصدفة، وجدت شابا سعوديا ليساعدها ويوصلها بالسفارة السعودية في كراتشي، وتبدأ فصول محاولة الوصول للسعودية وبحثها عن أهلها، وقد أصرت الفتاة بمثابرة حين توصلت إلى طريق الصحافة المتمثل في صحيفة عكاظ وبرنامج الثامنة، من أجل إثبات هويتها وعودتها إلى وطنها الأم هروباً من ظلم الناس لها في باكستان، وعيشها في ذل وهوان ومهانة في هذا المجتمع الغريب عنها فقد عاشت غربة الأهل.. والوطن.

وبالرغم من أنه في نهاية الحلقة، كانت نهاية غير سعيدة فقد ظل تعنت والدها في رفض وجودها وعدم رغبته في عودتها له إلا أن أم أمل واجهت الظلم الاجتماعي المتمثل في:

- زوجة الأب المتسلطة والشريرة التي فكرت بمكر ودهاء من أجل إزالة ابنة زوجها من طريقها إلى غير رجعة.

- الأب القاسي والذي لم يقبل عودة ابنته إلى أحضانه فلم يغفر ما حدث لها حتى لو أننا افترضنا جدلاً أن الفتاة قامت به بإرادتها وارتكبت الخطيئة وهي في السن الصغير (أربعة عشر عاماً).. أتساءل ألا يوجد قلب حنون ومسامح يغفر ويصفح ويحتوي ويحب.. تقول أم أمل: (لقد ربيت أبنائي أفضل من تربية أبي لنا).. إشارة منها للعلاقة الأبوية الصارمة والشديدة والبعيدة عن العلاقة الحميمة والحانية، والتي يفترض أن تكون بين أب وابنته.

- قسوة المجتمع الذي قبل قتل الأب لابنته لمجرد أنه عرف أنها هربت من البيت، أو حتى ارتكابها أي ذنب يجعله هو القاضي والمحامي وكل الجهات المناطة بالمعاقبة أو التقويم والإرشاد في ظل غياب القنوات المعنية بكل الخطوات من أجل الإصلاح والتوجية والإرشاد.. وهذ ما نعاني منه في كثير من مشاكلنا الاجتماعية، والتي تجعل للمجتمع سطوة قد تفوق الحق والحقيقة والصواب.. وهو ما يجب أن نحاربه من أجل أجيال أفضل.

وبما أن كثيراً من الفتيات، أو حتى الفتيان في مقتبل العمر، وهم غير واعين، حيث إنهم في مرحلة المراهقة، أو حتى مرحلة الشباب قد لا يجيدون التصرف أو إدراك ووعي ما يقومون به، وما يستطيعون القيام به من أجل حماية أنفسهم من: رفقاء السوء، أو عند وقوعهم بالمشاكل، أو بانفتاحهم على العالم بلا رقيب أو حسيب.

وعادة ما يكون هؤلاء: لا يملكون الحكمة والاتزان المطلوبين.. غير ناضجين.. عنيدين ومكابرين عن الاعتراف بالأخطاء.

لكن ماذا يملك أولياء أمور أو حتى المربون أو الإعلاميون أو الطبقة المثقفة من مسؤولية تجاة النشء، أو حتى مؤسسات المجتمع التي يستقي منها هؤلاء الشباب ثقافتهم.. إنه الحب ومنحهم الأمان، أعطاؤهم الثقة والقدرة على التصرف ولا ننس توعيتهم.. والحديث معهم بشكل يضمن إنسانيتهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب بدون النظر إليهم بالنظرة الطفولية التي قد تفقدهم الثقة بكل من يتعامل معهم. وأهم النقاط هي عدم إهمالهم والغفلة عنهم.

ومن أجل هؤلاء الشباب يجب أن نعي مسؤوليتنا المشتركة والواجبات المطلوبة منا.. العصا و"الكرباج" والتسلط وفرض الوصاية والتعالي، كل هذا لن يخلق إلا جيلا ساخطا وغاضبا وحانقا.. وكل الأساليب السالفة الذكر موجودة بيننا يمارسها كثيرون ممن يملكون سلطة على النشء.

عني أرى أنه لا وقت يضيع طالما أن هناك قلوبا يجب أن تستوعب من يحتاج لها.. ويجب ألا ننسى أننا ذات يوم كنا صغارا وكنا نحتاج إلى يد حانية تسندنا وتدعمنا وتمد لنا بارقة أمل.

ولنترك قصة أننا الفريدون والمتميزون والناجحون والمتفوقون، حين نسرد قصصنا لأبنائنا، ولنتقبل تجاربهم الصغيرة التي قد تكون متعثرة ولنبتعد عن التسلط.. والتعالي والفوقية تلك التي تخلق فجوة بين الأجيال.

أكرر أن قصة "أم أمل" غريبة وحزينة أدمت لها قلوبنا وعيوننا، وأدركنا معها أن للحياة طعماً أجمل مع الوطن.. سواء الوطن الصغير المتمثل في منزل في حي بعيد في مدينة نائية، لا يهم أو ذلك الوطن والذي يحتويني حين تظلم دروب الحياة في مسيري.. يظللني الحب والاحتواء والدعم والمساندة..

أم أمل ورغم هروبها خوفاً على حياتها من بطش والدها تقول: حين سألها داود الشريان بلكنته المحلية: "أنت أرجل من الرجال إنك صبرت إنت وش تبين الآن"؟ قالت: "أنا الآن أناشد الملك عبدالله أنه يساعدني فأنا بنت البلد، لن أعود إلى باكستان حتى لو تعرضت للسجن، وحسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم"، وطلبت الصفح من والدها لمعرفتها بغضبه حين يشاهدها على شاشة التلفاز وتريد العودة لوطنها المملكة العربية السعودية.

السؤال: هل طلب هذه الفتاة صعب المنال، في حين أن هناك مسؤولين يستطيعون إنهاء مشكلتها دون أن تعرض قصتها وتصل إلى برنامج جماهيري يطلع على قصتها القاصي والداني.

وكم برنامجا نحتاجه حتى نعالج مشاكلنا المتعلقة؟

خلال كتابتي للمقال قرأت تغريدة الإعلامي داود الشريان الأخيرة في صفحة برنامج الثامنة في "تويتر" التي تقول: "موضوع أم أمل انتهى نهائياً وبإذن الله أوضاعها أصبحت ممتازة.. والشكر لكل من ساهم في تحسين وضع أم أمل"، ورغم أن النهاية سعيدة لكن في الختام أقول: ما أقسى ما رأيت وسمعت وكفى!