نُشِرت مؤخراً لائحة تتضمن مقترحات لمزايا القضاة، وبالرغم من الجدل الدائر حول صحة صدورها من قبل المجلس الأعلى للقضاء من عدمه والكثير من الجدل حيال ما تضمنته اللائحة من امتيازات غير مسبوقة لموظف عام إذ إن القاضي موظف عام غير تقليدي باعتباره جزءا من السلطة القضائية.
لذلك فإن حصول أعضاء السلطة القضائية على رواتب مجزية بل ومغرية بالإضافة إلى العديد من المميزات الأخرى مطلب أساسي وهام وجوهري لوظيفة تتطلب التفرغ الكامل طوال فترة التاريخ العملي والمهني في وظيفة نهاية مطافها الجنة أو النار، كما ورد في الحديث الشريف.
وللمقارنة والتوضيح فإن المرتبات في السلطة التنفيذية وهي جميع وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة مثل المؤسسة العامة لسكة الحديد وتشمل موظفي ومنسوبي وزارة العدل فإن معدل الرواتب في المتوسط (7.500 ريال) ويصل تعدادها إلى ما يقارب (650.000) موظف، ويمتاز القطاع العسكري والأمني الأقل عدداً بمزايا تشغيلية من خلال البدلات ويتساوى مع باقي موظفي القطاع العام من موظفي الدولة في المعاش التقاعدي. وللمعلومية فإن اللجان القضائية في القطاع العام وخاصة المنتمين للقطاع المالي والمصرفي مثل لجان فض منازعات التأمين والجمارك وتسوية المنازعات المصرفية والأخرى المتعلقة بسوق المال يصل متوسط مقابل عضويتها إلى (20.000 ريال) شهرياً بخلاف أي مزايا أخرى للعضو في أي جهة أو جهات أخرى بخلاف راتبه الأساسي لدى جهة عمله الأصلية، وذلك مقابل ساعات عمل محدودة في عدد من الأيام في الأسبوع فقط وعدد قضايا بسيط وإمكانات وتجهيزات متكاملة من مكاتب وسكرتارية وأمانة سر إلى غيرها من المتطلبات الأساسية والضرورية للعمل القضائي ولأي قاض ليقوم بواجباته الأساسية والضرورية في العمل القضائي.
وعلينا النظر إلى مضامين ومعاني ومغازي وأهداف مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم، وإلى التحضيرات الجارية من قبل المجلس الأعلى للقضاء لإحداث المحاكم المتنوعة ومحاكم الاستئناف وتأهيل قضاته ومعاونيهم، وما تقوم به وزارة العدل من تهيئة للمكتب القضائي بما يشمل جميع الخدمات المساندة للقاضي مع فصل العمل الإجرائي والتوثيقي عن أعمال التقاضي والخصومة التي هي أساس عمل القضاة، وما يقوم به ديوان المظالم في هذا الإطار ضمن المحاكم الإدارية حسب اختصاصه، وبالنظر إلى أنظمة الإجراءات والمرافعات ولوائح التفتيش القضائي وما ترتبه على القضاء والقضاة وأعوانهم ومساعديهم من التزامات إدارية ومنهجية وعلمية وعملية إلى غيرذلك من لوائح تنظيم العمل القضائي بالمحاكم العامة والإدارية، كل ذلك يجعلني أرى أن ما ورد ذكره في لائحة مميزات القضاة هو الحد الأدنى من المزايا التي يمكن أن يحصل عليها القضاة لقاء عملهم.
ولذلك لا أرى أبداً أي ضرر في منحهم أراضي فقد سبقهم في ذلك أساتذة الجامعات والطيارون وغيرهم من موظفي الدولة على مساكن، أو حتى منح القضاة جوازات دبلوماسية أو خاصة، لأنهم في حاجة إلى حصانة وحماية ومكانة تليق بهم فهم رجال علم شرعي ويعملون في القضاء وبالتالي فإنهم من أصحاب المكانة العلمية والمهنية.
ولا أكتفي بذلك بل إنني أطالب بتخصيص أيام في مختلف الدوائر الحكومية لخدمة مصالحهم أمام المرور والجوازات والبلديات وغيرها، فمن غير اللائق على القاضي أن يقف في طابور الخدمات أو أن يطلب مساعدة أو خدمة. ولتجاوز ذلك يجب أن يتحصن فعلاً من التداخل غير الحميد مع مختلف شرائح المجتمع الحكومية والخاصة، وفي المقابل عليه أن يمتنع عن العمل التطوعي أو الخيري من خلال الجمعيات أو المؤسسات الخيرية، بل وحتى إمامة المساجد أو تقديم المشورة الشرعية للجمعيات أو المؤسسات الخيرية التي تعج بأصحاب المصالح والمال، إذ يجب أن يبتعد وينأى بالقضاء وبنفسه عن الشبهات وتقاطع المصالح.
وإزاء هذه المميزات عليه أن يتأهل ويتدرب على العمل القضائي ثم على العمل النوعي وفق اختصاص المحكمة التي يعمل بها، وبالتالي فهو في دائرة دائمة من التأهيل والتدريب والتطوير مصاحبة لعمله القضائي الذي يجب أن يتأسس من التعليم الجامعي ومن ثم المعاهد القضائية ثم المعاهد أو المراكز النوعية المتخصصة في التدريب في مجالات العمل القضائي من تجاري أو إداري أو جزائي أو الأسرة والأحوال الشخصية أو القضايا العمالية وغيرها مما قد يطرأ على أعمال المحاكم العامة المختصة مثل الدوائر المرورية.
إن ولاة الأمر والمجتمع ينتظرون الكثير والكثير من القضاء والقضاة، فبهم يسلم الحكم ويسود العدل وينعكس على الوطن والمواطنين ويضمن سلامة عمل السلطة التنفيذية والتشريعية.
وننتظر من كل مؤسسات وسلطات الدولة كل فيما يخصها العمل على سرعة إنجاز
ما هو متوجب عليها لإنجاز مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء هذا المشروع الأضخم والأكبر على مستوى جميع مؤسسات الدولة وسلطاتها منذ تأسيس الدولة السعودية، وعلى وزارة المالية اعتماد الوظائف الإدارية والقضائية ومخصصاتها المالية وعدم التشاطر على المبلغ المخصص لتطوير القضاء الذي رصده الملك حفظه الله.
وعلى وزارة البلديات تخصيص الأراضي اللازمة لإنشاء المحاكم، وعلى وزارة التعليم تعديل مناهج التعليم الجامعي بتعديل تخصصات كليات الشريعة لتشمل القضاء والتقاضي في أقسامها والتوسع في إنشاء كليات الشريعة والقانون التي ستخرج القضاة والمستشارين في المحاكم والهيئات الحقوقية والعدلية مثل هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام وغيرها، إذ إن البلاد بحاجة لما لا يقل عن (10.000) محامٍ ومثلهم من الحقوقيين لمباشرة العمل القضائي والحقوقي في ظل مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء وديوان المظالم، الذي لن تتحقق غايته وأهدافه إلا بتوفيق من الله والتركيز على مضمون تطوير القضاة من حيث العلم الشرعي والقانوني وفق تخصصات المحاكم ووضع القضاة في مكانهم ومكانتهم العلمية والعملية والوظيفية بالمشاركة مع المحامين المرخصين فقط.