في مثل هذا اليوم، تجب الوقفة الفاحصة المتأملة التي نتذكر فيها نحن بأنفسنا، ونقول لأجيالنا التي نشأت في ظل وارف ونعيم غادق، كيف وصلت بلادنا في وحدتها وفي إنجازاتها وفي تغلبها على مصاعبها ومشكلاتها إلى ما وصلت إليه.

في اليوم الوطني لبلادنا، نقف لحظة ونتأمل الوطن.. الكيان.. المملكة، هذا البناء الشامخ الذي أفاء الله عليه بنعم كثيرة يجب أن نذكرها لنشكره عليها، وشكره يوجب المحافظة عليها.

الوحدة الوطنية التي تحققت لهذه البلاد هي نعمة كبيرة، جعلت الوطن كله وأبناءه جميعا ينعمون بخيرات أفاء الله بها عليهم؛ بسبب هذه الوحدة التي تحققت.. ولنسأل أنفسنا لولا أن الله أفاء علينا بهذه النعم، فكيف سيكون حالنا؟ هذا سؤال كبير يجب أن نطرحه، ونجيب عنه بكل موضوعية. بلادنا تحظى بمكانة عالية في العالم.. فهي من الدول العشرين الأهم في الاقتصاد العالمي، وهي دولة محورية في العالم الإسلامي؛ لأنها تحتضن الحرمين الشريفين، وأرض بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولها أهمية كبيرة من حيث الموقع؛ لأنها تقع في منطقة تحكم اثنين من أهم طرق التجارة والاتصالات في العالم. ولتأسيسها ووحدتها قصة يجب أن تروى.. وهي قصة تستحق وبكل تأكيد أن تعرف من قبل دائرة أوسع من الجمهور في بقاع العالم، وفيها بطولات كبيرة للملك عبدالعزيز. فلم يتم توحيد المملكة إلا بعد صعوبات جمة هنا وهناك، ومشاكل من كل نوع انتهت بتأسيس هذا الكيان القوي. كما تمثلت إنجازاته في البحث عن مصادر دخل للوطن، تمثلت في العمل على تنويع تلك المصادر بين زراعة وموارد طبيعية، حتى قيض الله لهذه البلاد اكتشاف النفط.

كان تأسيس المملكة على هذا النحو أمر يدعو للفخر والاعتزاز. استمرت إنجازات الوطن في عهد الأبناء على كل المستويات. وحظي الحرمان الشريفان وخدمة ضيوف الرحمن بنصيب الأسد من إنجازات البلاد على النحو الذي يراه ويلمسه كل حاج أو معتمر أو زائر للأماكن المقدسة. كانت بلادنا مثار إعجاب المراقبين المنصفين، وهي تقف بكل ما تملكه من إمكانات بجانب الدول الشقيقة والصديقة في المحن التي تتعرض لها، ومن أمثلة ذلك الوقفة الشجاعة للملك فهد والوطن بأكملة لأشقائنا في الكويت أثناء تعرضهم لأزمتهم المعروفة. وكذلك وقوف بلادنا بجانب كل من يحتاجها لتقدم المعونات التي تخفف من مصاب ومحنة الأشقاء والأصدقاء. وتتبين الحكمة في بلادنا عند تعرضها للأزمات، فانهيار أسعار البترول في الثمانينات كادت تعصف بالوطن. وأزمة 11 سبتمبر عاصفة أخرى. وأحداث الإرهاب والقلاقل وزعزعة الأمن عواصف مرت بها بلادنا، وحاولت وتحاول علاجها باجتهادات نسال الله أن توفق فيها.

لا شك أن المملكة الآن تمر بتحديات تتعلق بأمر البطالة والفساد والإصلاح، وكل ما يضمن مواكبة مؤسساتنا للعصر الذي نعيش فيه، ولا بد لكل فرد من أفراد هذا البلد المعطاء أن يستشعر التحديات التي تمر بها بلادنا، ولا يقتصر موقفه على النقد واتخاذ مواقف سلبية أو التحدث بلغة المستحيل التي لا تمت للواقع بصلة. بل ينبغي المشاركة والتفاعل مع مشكلات الوطن وتقديم مقترحات واقعية، تستحضر الظروف والأحداث وما يمكن تطبيقه على أرض الواقع. ولم يمر على بلادنا عهد دون أن يكون فيه من الإنجازات ما يكون محل فخر، حتى وصلت إلى هذا العهد الميمون بقيادة رائد نهضتها الحالية الملك عبدالله، الذي شهد عهده إنجازات نوعية نفخر بها ويفخر بها الوطن.

ولنعلم جميعا أنه لا يمكن لبلادنا أن تتقدم وبعضنا ساكن. ولا يمكن أن تكون بلادنا إيجابية وبعضنا سلبي. ولا يمكن أن يتوقف إسهامنا لبلادنا على النقد والتجريح والنظر إلى السلبيات. هناك بالطبع إخفاقات، وهناك نقص وعجز، لكن لا يعني هذا أن نصرف كل وقتنا في الحديث، والحديث فقط، عن السلبيات. بل لا بد أن نعمل ونقترح البدائل الواقعية التي يمكن تطبيقها. يجب أن نعلم جميعا أن تجاوز بلادنا لمعوقات في الماضي لا يعني تجاوزها في المستقبل ونتساءل: هل ستقتفي الأجيال الجديدة أثر آبائهم للتعامل مع الخلافات وتجاوزها بنجاح؟. لقد رسمت لنا الأجيال السابقة من القيادات ومن المواطنين أروع الأمثلة في التعامل مع العواصف والمشكلات والمستجدات. وكان أبرز تلك الأمثلة اللحمة القوية التي كانت الجدار المنيع ـ بعد الله ـ في التصدي لكل عاصفة قادمة، وكانت تلك اللحمة الصخرة التي تحطمت عليها كل قوى البغي والشر، وكل مخططات الأعداء في السنوات الطوال التي بنيت فيها بلادنا. وبنيت فيها مؤسساتنا وقويت فيها لحمتنا. وانتشر ظل أمنها الوارف ليعم به كل شبر في بلادنا. بل والخطط التنموية الطموحة المعلن عنها والقادم، وثروات بلادنا، كل ذلك يمكن هدمه بتفكير خاطئ أو نقد في غير مكانه، أو موقف غير موضوعي.

في يوم الوطن، أرى أن نقف مع أنفسنا وقفة موضوعية جادة، ونحسب لتصرفاتنا ألف حساب، ونعمل بكل ما نستطيع لمصلحة الوطن وتقدمه وأمنه. في يوم الوطن، أهمس في أذن كل مواطن: إننا سنتجاوز كل مشاكلنا وسلبياتنا ونحافظ على وطننا ونصل إلى ما نبتغيه من تقدم له ولنا، فقط إذا حافظنا على لحمتنا؛ لأننا لن نُؤتى إلا من قِبَلَ أنفسنا، فلا نسمح لأحد أن يخترقنا ويأتينا من بيننا. وكل يوم وطن، والوطن ونحن جميعا بألف خير.