"يمرّني كل عام يوم ميلادي

يوم أعرفه ويوم أنسى مواعيده

يمرّني وانتبه للغايب البادي

وأهوجس بحال غيري من مواليده"

في حالتي أهوجس كما قال خالد الفيصل بحال وطني كوني أحد مواليد يومه، كثيرا ما استوقفتني هذه الصدفة، ولادتي في اليوم الوطني.. حبي للتراث الذي مع الأسف قابلته أول مرة عندما قامت معلمة الرسم الأميركية باصطحابي لمعرض فوتوجرافي في السفارة الفرنسية، حيث كان يعرض الفرنسي تيري موجيه أعماله الفوتوجرافية الملونة التي كانت تملأ المكان، كانت أعماله عبارة عن منازل ملونة من الداخل والخارج بألوان ناصعة جميلة تجبرك على الابتسام عند رؤيتك لها، امرأة ترسم على حوائط المنزل الداخلية، قبعات الخوص الكبيرة، انعكاس الشمس على المباني، المباني الحجرية ذات الطابع المميز، بعدما استمتعت وغذيت عيني وفكري وروحي، وجدت تيري عند نهاية القاعة، شكرته على عمله المبهج وقلت له كم هي جميلة المكسيك، بإذن الله سأزورها قريباً لكن ما اسم هذا المكان الذي ألهمك بمجموعة الصور الرائعة؟ قال تيري ما اسمك؟ قلت: هيفاء الحبابي، قال: قحطانية ولا تعرفين بلدك! هذه عسير.. نزل كلامه علي كالصاعقة، معقول طالبة تربية فنية في جامعة الملك سعود ومهتمة بالفن وأحسب نفسي متابعة جيدة، لا أعرف عن فنون وطني شيئا! أن أتعرف عليه عن طريق الأجانب!

كم كانت صدمتي كبيرة... كم حزنت وقررت من يومها أن أحمل هم تعريف السعوديين على فنون وطنهم، من هنا كانت البداية، بداية اهتمامي وبحثي عن تراث وطني، وأدركت أنني لن أعمل أي أثر أو أي تغيير إذا لم أنطلق من أساس علمي، مما دفعني لتحضير درجة الماجستير في فن القط النسائي ظناً مني أنه بمجرد أن أذهب لمنطقة عسير وأجمع ما يحتاجه البحث سأنتهي من كل شيء، وكانت هذه بداية اللانهاية.

ما رأيته في منطقة عسير، جعلني أكون أكثر إصرارا على إيصال ثقافة وفنون وطني داخلياً أهم لي من خارجياً، بالذات عندما علمت أن تيري موجه الذي عرفني على ثقافتي هو ذاته من حرف وأضاف إليها! هذا ما أدمى قلبي، فزاد إصراري على أن أوضح للمواطن أهمية تراثه وفنونه وحضارته الغنية، وكيف ممكن أن يكون للمستشرقين دور كبير في ضياعها، وهذا ما عايشته بشكل دائم خلال فترة دراستي في بريطانيا، ويعود ذلك لأسباب كثيرة أهمها أنهم ليسوا أبناء هذه الأرض، لا يملكون لسانها ولم يتنفسوا هواها وتتعفر وجوههم بترابها، وأذكر هنا كلمة قالها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله! "وطن لا نحميه، لا نستحق العيش فيه" الوطن ليس حدودا أو مكانا فقط، الوطن أكبر من ذلك، فالوطن ثقافتنا، الوطن تراثنا، الوطن هويتنا، الوطن فننا، الوطن لهجاتنا، الوطن أشعارنا، الوطن ثمارنا، الوطن مقدساتنا، الوطن لون الحنة في يد جداتنا، الوطن تجاعيد يد أجدادنا، الوطن كلمة أكبر من أن تتلخص في مقال أو حتى مجلدات، فما بالكم من كان وطنه توأمه؟ يملك نفس يوم ميلاده ويحمل اسم أحد مدنه، وتخصص بفنه، وعمل بتراثه، ماذا عساه أن يقول في يوم ميلاده!