باتت المملكة العربية السعودية تلعب دوراً رئيساً وفاعلاً في دفع عجلة التكامل الاقتصادي العربي، وهو ما بدا واضحاً من خلال الجهود والمساعي التي بذلتها المملكة وما زالت وخاصة خلال السنوات الخمس الماضية، ساعدها في ذلك اقتصادها القوي الذي يتميز عن غيره من الاقتصادات العربية.

وقال خبراء ومراقبون اقتصاديون تحدثوا إلى "الوطن"، إن دعم المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، للقضايا العربية لم يكن فقط دعماً سياسياً بينما تمثل في دعم مالي ومساعدات ومنح، قدمتها المملكة لأشقائها العرب منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي العام الماضي.

ووفقاً لتقرير صندوق "النقد الدولي "نقلاً عن بيانات وزارة المالية السعودية في نهاية سبتمبر من العام الماضي 2012، فقد بلغ إجمالي ما قدمته المملكة من مساعدات مالية لعدد من الدول العربية، من بينها مصر وتونس نحو 6.3 مليارات دولار، استحوذت مصر وحدها على ما قيمته 4 مليارات دولار حتى نهاية 2012، وفقاً لتصريحات وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو".

وأشار الخبراء إلى أن المملكة أعلنت التزامها بتقديم معونات مالية لدول الربيع العربي، تبلغ قيمتها نحو 17.9 مليار دولار، توفرها المملكة على شكل قروض ومنح ومساعدات، من أجل مساعدة تلك الدول على استعادة عافيتها اقتصادياً واجتماعياً، لافتين إلى أن موقف المملكة وشعبها الداعم لمصر ولجميع الدول العربية، يأتي من منطلق المسؤولية والروابط التاريخية، ولمصلحة المنطقة العربية بأكملها.

من جهته توقع وزير المالية المصري السابق الدكتور حازم الببلاوي، أن يكون للقطاع الخاص السعودي دور كبير في دعم مشروعات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي، باعتباره المصدر الحقيقي لتعزيز القدرة على النمو الفعلي والشامل والمستدام، والقادر على خلق فرص العمل الجديدة، بل لإطلاق إمكانات النمو الهائلة في البلاد العربية التي لا يمكن بلوغها.

وأشار الببلاوي إلى أن القطاع الخاص أصبح هو المصدر الرئيس للنمو الاقتصادي في أي من البلدان العربية، بل ويعد هو الشريك الأساس للحكومات العربية في صياغة السياسات التنموية، وفي بناء القدرات والمهارات وتوجيهها نحو الإنتاج والابتكار واتخاذ خطوات عملية لإزالة العقبات، أمام تدفق السلع ورؤوس الأموال بين الدول العربية.

وأشار وزير المالية الأسبق إلى أن المملكة تتحمل العبء الأكبر من بين الدول العربية، فيما يتعلق بخلق كيان اقتصادي عربي متكامل، يحقق للأمة العربية توازنها واستقلالها، وذلك بحكم إمكاناتها الاقتصادية والمالية وهو ما ستنجح فيه المملكة وبالتعاون مع جميع الدول العربية مستقبلاً.

من جهته أكد رئيس جمعية الاستثمار والأعمال المصرية الدكتور أحمد جلال الدين، أن المملكة تعد أكبر شريك تجاري لمصر ولكل الدول العربية لما لها من ثقل اقتصادي وسياسي كبير بالمنطقة العربية بأكملها، مدللاً على ذلك بالأرقام الرسمية، مشيراً إلى أن المملكة دعمت مصر مالياً واقتصادياً على مدار العامين الماضيين، سواء بطريقة مباشرة من خلال المنح والقروض أو بطريقة غير مباشرة من خلال استثمارات، نفذها مستثمرون سعوديون في مصر خلال فترة ما بعد ثورة" 25 يناير"، في الوقت الذي تراجعت فيه الاستثمارات العربية لمصر بنسبة 13%.

وأضاف جلال الدين أنه وعلى الرغم من ذلك إلا أن الاستثمارات السعودية إلى مصر واصلت تدفقها، للعام الرابع على التوالي وزاد حجم الاستثمارات السعودية لمصر بنسبة 57%، خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري"2012-2013"، مسجلة 60 مليون دولار مقارنة بـ 38.2 مليون دولار في الربع السابق عليه.

وأكد جلال الدين أن الدور الذي تقوم به المملكة تجاه مصر وكل الدول العربية، لا ينكره إلا جاحد، مشيراً إلى أن السعودية تدعم أي حاكم لمصر أو لأي دولة عربية أخرى من أجل شعوبها، وليس لشخص من يحكم أو مكانته سواء كان مبارك أو غيره، لافتاً إلى أن المملكة تساعد أشقاءها العرب دون مقابل، فخادم الحرمين لا ينتظر الشكر من أحد وإنما يبادر بالمساعدة والدعم سواء المالي أو السياسي من أجل الشعوب فقط، وهو ما جعله في نظر جماهير الوطن العربي "ملك الإنسانية".

وأكد جلال الدين أن مصر هي البوابة الاقتصادية الأولى لمعظم الاستثمارات السعودية، ومن ثم فإن هناك علاقة شراكة قوية بين البلدين الشقيقين، لم تكن اقتصادية أو تجارية فقط وإنما سياسية وتاريخية وترابط قوي وجذري بين الشعبين.

وعلى صعيد أداء العملة السعودية "الريال" في سوق الصرافة المصرية، قال رئيس شعبة الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية محمد الأبيض، إن "الريال السعودي" يعد العملة الوحيدة من بين العملات الأجنبية والعربية، التي حققت ارتفاعات قياسية في سوق الصرافة المصرية أمام"الجنيه"، مشيراً إلى أنه وبالرغم من ارتباط العملة السعودية بـ"الدولار" الأميركي في السوق المصرية، إلا أن"الريال" حقق ارتفاعات قياسية تفوق ارتفاع "الدولار" أمام "الجنيه" المصري.

وأكد الأبيض أن العملة السعودية ارتفعت بما نسبته 13.7% أمام"الجنيه"المصري منذ بداية العام الجاري 2013، بينما ارتفع "الدولار" أمام" الجنيه" بنحو 12.5%، مرجعا السبب في تلك الارتفاعات إلى زيادة الإقبال على "الريال" مع بدء استعداد موسم العمرة، إضافة إلى اتجاه المصريين إل اقتناء "الريال السعودي" شأنه شأن "الدولار" بغرض الاستثمار، لاسيما بعد الارتفاعات القياسية التي سجلها "الريال" في السوق مؤخراً، واعتبره دليلاً على قوة ومتانة الاقتصاد السعودي.

إلى ذلك أكد المستشار الإعلامي بوزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية المهندس ياسر جابر، أن حجم التجارة بين البلدين آخذ في الارتفاع وبقوة خلال العامين الماضيين، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين جاوز 5 مليارات دولار خلال العام المنصرم 2012، مسجلاً 5.2 مليارات دولار مقابل 4.75 مليارات دولار في عام 2011، مرتفعاً من 4.1 مليارات دولار في عام 2010، لافتاً إلى أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لمصلحة كفة المملكة بحوالي 350 مليون دولار، وذلك لأن مصر استوردت كميات كبيرة من البتروكيماويات والمشتقات النفطية لتغذية السوق المحلية باحتياجاتها خلال العام الماضي. وأضاف أن حجم الاستثمارات السعودية في القاهرة وصل إلى أكثر من 27 مليار ريال، تقابلها استثمارات مصرية في عدد من القطاعات السعودية تقدر بنحو 7.5 مليارات ريال.

من جهته أكد نائب مدير معهد التخطيط القومي المصري الدكتور سمير مصطفى، أن التحديات التي تواجه مسيرة العمل التنموي في الوطن العربي في الوقت الراهن، يتعين أن تكون قوة دافعة لتضافر الجهود وتعزيز العمل الجماعي من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز هذه التحديات.

وأضاف مصطفى أن هذا يتطلب العمل على تعزيز الدور الحيوي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، كإطار عام للتجارة البينية العربية، وتسريع استكمال المقومات اللازمة لقيام الاتحاد الجمركي العربي، ومن ثم السوق العربية المشتركة، وصولاً إلى تحقيق أقصى درجات التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وهو ما تسعى إليه المملكة حالياً.

وأكد أن هناك عدداً من الأولويات الملحة في المدى القريب، ومنها استكمال مشروع الربط الكهربائي العربي ومخططات الربط البري والبحري والمشروعات الكثيرة المرتبطة بقطاعات الأمن الغذائي والرعاية الصحية، والطاقة وتقنية المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى أهمية أخذ البعد البيئي في الاعتبار في أي عمل تنموي.