أصعب العمليات الكيميائية، بل معظمها، يكمن في القدرة المختبرية على تحويل المادة الغازية إلى مادة صلبة وملموسة. هذه العملية العلمية لا تشبه شيئاً إلا تصريحات المسؤولين التنفيذيين عن المشاريع والبرامج في المناسبات الوطنية مثل مناسبة اليوم الوطني، ولهم أقول: لا تغتالوا يوم الوطن الأغلى الأهم بتصريحات عن المشاريع والأفكار والبرامج ثم لا تستطيعون عبر السنين تحويل (بخار الكلام) إلى (فعل) مادي ملموس. انتهت النشرة وهنا عودة لأبرز العناوين:

قبل ثلاث سنوات من اليوم، صرح أمين مدينتنا (السابق منعاً للإحراج والالتباس) أن حجم المشاريع البلدية في مدينتنا وحدها يبلغ ما يقارب ستة مليارات ريال، ولدي نسخة صحفية موثقة من هذا التصريح. وبعد ثلاث سنين بالضبط سأكتب للمرة الثالثة، أن حارتنا التي تمثل ثلث المدينة لا تعرف كيف تبخرت (المادة الصلبة) للمليارات إلى فيروس بخاري غازي عائم في الجو. أعطوني مصحفاً لأقسم لكم عليه، أن مئات المنازل والشوارع لا تعرف ماذا تعني (الأمانة).

قبل خمس سنوات في مثل هذا اليوم، قالت إدارة جامعتي إن أول طالب جامعي سينتقل للمدينة الجامعية (المليارية) في ظرف عامين. وحتى اليوم، وأنا مسؤول عن كل كلماتي، أعطوني نفس المصحف لأقسم لكم عليه أن أول طالب لن يدخلها قبل عامين من الآن، أي بعد سبع سنوات من التصريح البخاري الغازي الأول. قبل ثلاث سنين من اليوم صرح لنا مسؤول المياه أن الشبكة المائية ستعمل في ظرف بضعة أشهر. وبعد ثلاث سنين لازالت الماسورة نفسها فارغة إلا من (البخار) لأن (الماء) مادة سائلة لا يمكن أن تقبض عليها، ربما تماماً مثل تصريح المسؤول.

وخلاصة القول إن هذا الوطن لم يقصر في شيء، دفع المليارات الملموسة الصلبة في كل شيء، في الشارع والمدرسة والجامعة والمشفى وفي المياه وفي... وفي... ولكن: دعونا نحتفل بيوم الوطن بلا تصريحات غازية.