في منطقة تهزها الاضطرابات والأزمات، خطت مصر أخيرا خطوات تضع البلد على طريق التعافي والأمل: في 8 سبتمبر، انتخب عمرو موسى، زعيم حزب المؤتمر والدبلوماسي المخضرم، رئيسا للجنة الدستورية التي ستعيد صياغة الدستور المصري. الحدث المهم الثاني كان في 27 أغسطس، عندما رفضت الحكومة المصرية مساعدة صندوق النقد الدولي، منهية بذلك عاما من المفاوضات. وزير المالية المصري أحمد جلال قال إن مصر "ليست لديها حاليا الرغبة أو الحاجة لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي". عوضا عن ذلك، ستعتمد مصرعلى الـ 12 مليار دولار التي وعدت بها السعودية والإمارات والكويت، والتي تم تحويل 5 مليارات منها بالفعل في حسابات بدون فوائد في بنوك مصرية. هذه الأموال تقدم موارد عاجلة في فترة طوارئ اقتصادية واضطرابات سياسية.

هذان التطوران كلاهما في الأوقات العادية كان يمكن أن يستوقفا الصحافة في لندن والولايات المتحدة وأوروبا، خاصة رفض البلد لصندوق النقد الدولي. والسيد عمرو موسى هو ممثل مصر السابق في الأمم المتحدة، وأمين عام سابق لجامعة الدول العربية، ومرشح رئاسي سابق في انتخابات عام 2012. كتابة الدستور في بلد رئيسي في العالم العربي تشكل خبرا مهما. لكن الأزمة التي أحاطت بالحديث عن توجه الولايات المتحدة نحو الحرب ضد سوريا غطت على جميع القضايا الأساسية الأخرى في المنطقة، والإعلام الغربي مأخوذ حاليا بكل خطوة يأخذها باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري.

من الضروري النظر إلى المستقبل من أجل حل الأزمات الحالية، ومن الملائم أن تأخذ مصر الخطوات الاقتصادية والدستورية التي تسهم في إعادة الاستقرار إلى البلد على مدى العقود القادمة. رفض صندوق النقد الدولي حركة مرحب بها. على مدى العقود الماضية، كان صندوق النقد يشترط على دول العالم الثالث التي تطلب قروضا أمورا تسبب غضب الشارع: إنهاء دعم السلع الرئيسية مثل الوقود والخبز، تخفيض قيمة العملة، وتطبيق إجراءات تقشف إلى أن يتم دفع القرض.

وقضيتا النمو الاقتصادي ودستور يحوي فرصا للتسامح والعدل مرتبطتان بشكل عضوي. لا شك أن الفقر، والبطالة، وأسعار المحروقات والأغذية المرتفعة، هي التي أدت إلى المظاهرات الضخمة التي غيرت البلد منذ يناير 2011 عندما بدأت مظاهرات ميدان التحرير. الظروف الاقتصادية السيئة التي أنهت نظام مبارك كانت بنفس الأهمية في المظاهرات الحاشدة ضد محمد مرسي التي بلغت أوجها في 30 يونيو، 2013. الحرمان الاقتصادي، عدم المساواة، والبطالة في مصر، والتي بلغت 83% في 2009 ولا تزال تشكل حوالي 74%، هي جذور الاحتجاجات.

في مقابلة هذا الأسبوع مع صحيفة الشرق الأوسط حول كتابة الدستور الجديد ومستقبل مصر، كان عمرو موسى واضحا حول أهمية قضية الشباب. عمرو موسى قال: "علينا أن نأخذ الشباب المصري في الحسبان، لأنهم مستقبلنا". وأضاف أن عددا من الشباب سيتم تعيينهم في الوزارات الوطنية والبلديات ومجالس المحافظات.

لكن صندوق النقد الدولي كانت لديه تاريخيا وجهة نظر مختلفة. مع القروض هناك دائما ثمن يجب دفعه. في 23 أغسطس، ألمحت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين ليجارد إلى أن صندوق النقد الدولي لديه جدول أعمال خاص في مصر، فيما كانت تحضر اجتماعا لكبار المصرفيين في وايومينج.

في 27 أغسطس، وبشكل متواز مع الإعلان عن أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي سوف توقف، أعلنت الحكومة المصرية عن مصادقتها على "حزمة حوافز" بقيمة 22.3 مليار جنيه مصري (3.2 مليارات دولار) باستخدام الـ 12 مليار دولار التي وعدت بها السعودية والإمارات والكويت. وبحسب وكالة أخبار بلومبرج الأميركية الاقتصادية المشهورة، فإن الـ 5 مليارات التي وصلت من المساعدات الخليجية كانت مخصصة بشكل كامل لإجراءات نقدية، بشكل مبدئي، للمساعدة على زيادة احتياطي مصر من العملات الأجنبية لتصل إلى 18.9 مليار دولار. في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، تقلص هذا الاحتياطي إلى أقل من 12 مليار دولار –أو بالكاد ما يكفي لتغطية واردات البلد لمدة 3 شهور، بالإضافة إلى ذلك، كانت الأموال ضرورية لوقف انحدار الجنيه المصري الذي كان سعره قد انخفض بمعدل 11% منذ ديسمبر 2012.

سيتم استخدام 3 مليارات دولار من أصل حزمة الـ 12 مليار دولار في استكمال مشاريع البنية التحتية التي كانت قد توقفت بعد أن بلغت نسبة استكمالها 70%. من المهم توجيه غالبية ما سيأتي من الاستثمارات الأجنبية والمساعدات إلى مصر إلى أعمال المياه، المواصلات، وتوليد الطاقة الكهربائية. هذا النوع من المشاريع هو المستقبل.

لكي تنجح أمة ما، يجب أن يأتي التطور والنمو أولا. ذلك كان الدرس الذي تعلمناه من الثورة الأميركية في عام 1776، والتي كان عليها أن تكتب دستورا ثانيا في عام 1787 إذا أرادت أن تستمر. في نهاية ذلك المؤتمر الدستوري الذي عقد في 1787، طرح سؤال على بنيامين فرانكلين، أحد المؤسسين الأوائل لأمريكا "حسنا، يا دكتور، ماذا لدينا الآن –جمهورية أم ملكية؟". أجاب الدكتور فرانكلين "جمهورية، إذا استطعتم الحفاظ عليها". ذلك النضال انتهى وأعطى الشباب لكل جيل أتى فيما بعد مستقبلا.