كل الأمم والشعوب في العالم تقف في مناسباتها الوطنية الكبرى والخالدة، للتأمل، وأخذ العبر والدروس من تلك اللحظات الاستثنائية التي أسهمت في انتصار هذه الأمة على أعدائها.
إن كل هذه اللحظات التأسيسية لدى كل الأمم والشعوب، هي لحظات يتم الاحتفال بها، والعمل على إبراز أولئك النفر الذين بذلوا وضحّوا وتركوا بصمات نوعية في مسيرة مجتمعاتهم وأوطانهم.. ونحن في المملكة العربية السعودية، لسنا استثناءً من الشعوب، خاصة بعد إقرار تخصيص يوم الذكرى إجازة رسمية للمواطن (بجميع الدوائر الحكومية ومرحلة التعليم)، لكي ينعكس هذا على المواطن ومدى غرس هذا المفهوم لديه.
ولو لاحظنا أن جميع دول العالم تحتفل شعوبها بيومها من تأسيس أو استقلال أو ذكرى نشأة البلاد، ولكن آلية الاحتفال تختلف من دولة إلى أخرى، حسب العادات والأعراف والقوانين الاجتماعية، ولدينا كافة الإمكانات للاحتفال بهذا اليوم، ولكن تنقصنا ثقافة الفرح وكيفية التعاطي مع هذا اليوم وكيفية غرسه لدى المواطن.
منذ فترة ونحن نشهد حملات توجيهية بشأن هذا اليوم لكي لا تحدث مشاهد الفوضى المعتادة والمتكررة في كل عام من: تظاهرات جنونية، وحوادث بسبب السرعة، وقفل للشوارع، وكسر القوانين والأعراف، وتعدٍّ على الأملاك العامة، وحرمان العائلات والأشخاص من التفاعل مع هذه المناسبة.
التساؤلات المطروحة: لماذا يفعلون هذا؟ ما الذي يدفعهم إلى هذا السلوك في عدم احترام حقوق الآخرين؟ لماذا يُكتفى فقط بالحملات المناصِحة في التعامل معهم؟
إنني أعتقد بأن الأسباب الرئيسة تتمثل في نقطتين:
1- فوضى التعبير عن اليوم الوطني هي مرحلة تنفيس وذلك بالخروج إلى الشوارع وتفعيل الصخب والرقص ومضايقة الآخرين، ويحق لنا أن نتساءل هنا: في هذا اليوم ما هي البرامج والمهرجانات التي سيستفيد منها عموم المواطنين؟ أين هي العروض السينمائية التي تعزز مفاهيم الوطنية والمواطنة؟ أين هي العروض المسرحية التي سيشاهدها المواطن ليتعرف على كيفية تأسيس البلاد؟ هل هناك عروض تاريخية قبل وبعد التأسيس؟ كيف كانت حالة المواطن قبل نصف قرن وحالته الآن؟
الكثير من دول العالم تحتفل بعيدها على طريقة عرض القدرات العسكرية والمنتجات الصناعية في ساحة مخصصة لكي يتعرف المواطن على حجم التقدم الذي تسير فيه البلاد، أما نحن فتنقصنا هذه الاحتفاليات! والنتيجة أنه عندما تسأل الطفل عن ذكرى اليوم الوطني تكون الإجابة بكل ابتسامة: إجازة من المدرسة، وقد ازدادت فرحته هذا العام بأنها قد أصبحت يومين، الطفل لدينا لم يعرف أو يتثقف ما هو اليوم الوطني؟ هو يتصور بأنه مجرد خروج للشوارع ليرى الزحام ويرفع الأعلام لا أكثر! فما أجمل أن تخرج هذا اليوم أنت وعائلتك لتعبر لأطفالك عن هذا اليوم، فتصحبهم إلى أماكن تاريخية وتشرح لهم، وتقع المسؤولية هنا على الجهات المعنية مثل هيئة السياحة والرئاسة العامة لرعاية الشباب وغيرهما.
2- السبب الآخر في استهتار الشباب وتعديهم على الآخرين هي ضعف الثقافة الحقوقية. كيف لا؟ والإحصاءات تشير إلى أن نسبة كبيرة من مجتمعاتنا تجهل الثقافة الحقوقية ومبادئ المواطنة!
من الطبيعي إذن أن نرى الكثيرين من الشباب في مجتمعاتنا لا يعرفون الحقوق التي لهم والتي عليهم تجاه الآخرين، فلا يطالبون بما لهم، ولا يلتزمون بما عليهم، بسبب الجهل وانعدام المعرفة الحقوقية.