دائما في المجتمعات المتخلّفة والتي ينتشر فيها الجهل؛ يؤمن الناس فيها بالخرافة أكثر من إيمانهم بالحقائق والمعلومات العلمية، وربما يبالغون في التعلق بالخرافيات بشكل يجعلونها مسلّمات ويُنفقون عليها أموالا طائلة في سبيل العلاج أو لأي أمر آخر!

أعرف الكثير من القصص التي يترك البعض فيها استشارة الطبيب المتخصص بدعوى أنه يذهب لشخص يقرأ عليه وربما في بعض الأحيان لساحر يضحك عليه! وكثير منهم ربما يسافر لوقت طويل طمعا في الشفاء وينفق الكثير من الأموال التي ربما لو راجع أكبر مستشفيات العالم لكفاه ما أنفقه بالرغم من أهمية عامل الوقت ومرحلة التدخل في العلاج!

ما أسوأ الجهل على صاحبه! وللأسف، إن بعض الموروثات الشعبية تنطلي حتى على بعض المتعلمين لدينا وينساقون وراء تجار الكذب والدجل الذين يضحكون على الناس وأحيانا باسم الدين!

يقول الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وأحاديث الرقية الشرعية معروفة في ذلك، إلا أن البعض وكأنه يُروّج بأن الرقية شفاء حتى للأمراض العضوية، وبدأ الكثير من الجهّال يجلسون للناس للرقية وكأنه يحمل أكبر شهادات الطب، والمشكلة أيضا أنه طبيب في كل التخصصات بشهادة مفتوحة!

نعم قد يحصل الشفاء العضوي بالرقية إلا أن هذا من باب الكرامات، وهو استثناء ولا أريد الخوض فيه، ولكن بنظري أننا نعاني من أزمة كبيرة في التفكير ويقع فيها حتى بعض الخطباء والمثقفين!

يجب أن نحدد موقع الرقية قبل كل شيء أين هي؟

الصحيح؛ أن الرقية مثلها مثل الدعاء، فهي تعبير عن العبودية لله تعالى، ولكن من السفه والجنون أن يجلس أحدهم يدعو الله أن يرزقه الشفاء من مرض عضوي دون أن يبذل سبب العلاج!

ينتشر عند العوام أن قراءة فلان كذا وكذا، وكأنه أصبح نبياًّ وليّا! وبعضهم يطلب من الناس المبالغ الهائلة التي ربما لا يأخذها أكبر أطباء العالم! لا شك لدي أن قراءة الإنسان على نفسه أفضل من مئة شخص آخر، والله تعالى استجاب حتى دعاء الكثير من العصاة وهو أرحم من خلقه، ولا يمكن أن يخلص الآخر في الدعاء كإخلاص صاحب الحاجة، ولكن سيطرة الجهل على البعض عظيمة التأثير!

حتى علماء العقيدة تحدثوا كثيرا عن ضعف وانكسار التوكل عندما يطلب المسلم من الآخرين القراءة عليه.

أمر مهم جدا مرتبط بالموضوع؛ مهما كان الشخص لديه خبرة في القراءة على الناس؛ فإن ذلك لا يُخوّله أن يُشخّص أمراض الناس. ولا أنسى موقفا طريفا حصل أمامي بأن كان أحد الرقاة حاضرا مع وجود شخص آخر يحب المزاح، وطلب من ثالث أن يمثل أنه ممسوس بالجن، وأخذ يمثل وقام الراقي يقرأ عليه وينفث مرارا، وبعد أن هَدَأ الممثل ادّعى الراقي بأن الرجل ممسوس باثنين من الجن وأنه مسحور! وبعدها قام ذلك الممثل يضحك وضحكنا جميعا عليه!

وكم من شخص مصاب بمرض عضوي وقد تسبب بعض الرقاة في تردده عن مراجعة الطبيب، وربما أدى ذلك إلى تعاسة الشخص في حياته كلها! وعند الحديث عن المرضى النفسيين؛ فإن المجال كبير والقصص فيه تسبب الاكتئاب من كثرتها! حيث أزعم أن أغلب من يوصف بأنه ممسوس أو معيون إنما هو في حقيقته مصاب بمرض نفسي تراكم عليه وانفجر في لحظة حرجة مرّ بها. ويبقى الكثير من هؤلاء يعيشون الوهم والتعاسة بقية حياتهم بسبب الجهل والتضليل!

يأتي المثال الأسوأ؛ وهو المعالجون الشعبيون، وهي نفس المشكلة التي نعاني منها. عندما نذهب لطبيب الأنف والحنجرة؛ فإننا نستند على أنه يحمل شهادة تؤهله علميا للقيام بذلك، وكل الأدوية التي يصرفها مصرّحة عالميا من خلال الدراسة والبحث العلمي، وبالتالي لدينا معيار لتقييم ذلك الشخص.

أما الطبيب الشعبي؛ فإن الشهادة الأكاديمية والمعيار الوحيد هو قال لي فلان وعلان! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

فعلا شعوب مسكينة في ظل تراخي الجهات المسؤولة عن مثل هؤلاء الذين يعبثون بالبشر ويستنزفون أموالهم وحتى أرواحهم!

ربما من أخطر الأمور التي نواجهها في مجتمعاتنا بنظري هو التخلص من رواسب الجهل والتخلف الذي مرت بها المنطقة. والأسوأ من ذلك عندما يخلط البعض شيئا جاء به الشرع الحنيف بشيء آخر من موروثات الجهل ويحاول تسويقه على البسطاء من الناس.

أنا هنا أؤمن بأن القرآن الكريم شفاء للصدور وهو مفتاح السعادة في الدارين، إلا أن تضليل الناس بأن الرقية تغنيهم عن الأطباء المختصين فيه إساءة للشريعة وتسفيه للعقول، ويجب أن يسهم الخطباء والمثقفون في توعية الناس من هذا الأمر، كما أنه قد يكون بعض المعالجين الشعبيين يملكون بعض المواهب بالخبرة، إلا أنه لا يمكن الوثوق بمثل هؤلاء، خاصة مع عدم وجود آلية للتقييم ومعيار يمكن من خلاله اختبار هؤلاء الأشخاص، مع توفر العلاج الخاضع للتجربة والدراسة عالميا.

أدعو أخيرا الجهات المسؤولة (وزارة الصحة ووزارة الشؤون الإسلامية ربما) إلى معالجة الأمر ووضع حد لمثل هذه الأمور خاصة عندما يتعدى الأمر إلى تشخيص الأمراض من أناس ربما حتى لا يجيدون الكتابة والقراءة، ولا يجوز ترك الأمر بهذه الصورة.