في مقطع فيديو على الإنترنت يظهر فلاح مصري وهو داخل الميترو، يردد بحماس هتافات معادية للإخوان المسلمين، بينما يلتفت الركاب الذين بجواره ويأخذون في الترديد خلفه: "أنا مش كافر أنا مش ملحد، خله يغور مرسي والمرشد"، "بعرف ديني من زمان، قبل ما أشوف خلق الإخوان.."، هذا الشعارات تجدها في واقع الأمر مشتركة بين الطبيب وأستاذ الجامعة، وتجدها بذات المعنى لدى الفلاح ولدى "ست" البيت، بل إن هذا الجانب مثل واحدة من أبرز أدوات المواجهة بين الجماعة والشارع المصري، لأن السعي لاحتكار المشترك لا يمكن أن يتحقق، ففي ظل مجتمع مسلم لا يمكن لأية جماعة على الإطلاق أن تجعل من الإسلام (العام) مزية لوصف (خاص) كما فعلت "الجماعة".
خلال تاريخ الحركيين الإسلاميين كانت فكرة استخدام الهوية الدينية منطلقاً ووصفاً خاصاً أمراً بارزا وناجحا إلى حد ما، لقد اكتسبت تلك الجماعة جزءا من التعاطف العام والشعبي لأنها - خاصة في ظل ما تعرضت له من ضغوط في ظل بعض الأنظمة السابقة - رسخت لنفسها الصورة التالية في الشارع: "المتدين، الطيب، المظلوم.."، هذه الصفات أوجدت نوعا من الحماية الاجتماعية للحركيين في فترة ما، لكن ما حدث في مصر يكشف جانبا من حتمية السقوط لرافعي الإسلام شعارا وسلما، حين كانت الحركة مجرد جماعة ملاحقة ومطاردة كان وصفها بالإسلامي تصنيفاً للجماعة، لكنها حين وصلت للحكم أصبح وصفها لنفسها بالإسلامية تصنيفا للمجتمع. في السلطة يتحول كل وصف يطلقه النظام على نفسه إلى عامل للفرز بينه وبين غير المنتمين إليه، فالوصول إلى السلطة يقتضي بالطبع إعلاء مبدأ الشراكة لا مبدأ الفرز، لأنه بالضرورة سوف يجعل كل من هو خارج الجماعة، وليس خارج الإسلام، سيجعله في احتمال مواجهة قادمة مع هذه الجماعة التي لا ينتمي إليها.
وصلت جماعة الإخوان للحكم في مصر وبقيت محتفظة بذات التوصيف وأكدته في خطاباتها وأفعالها: أهلي وعشريتي، الأخونة، المواجهة مع القضاء، وغيرها من المواقف والخطابات التي أثبتت حتمية المواجهة مع الشارع.
أبرز العوامل التي دفعت نحو المواجهة يتمثل في أن احتكار (الإسلامية) كصفة لمن هم في السلطة، يجعل كل المجتمع (المسلم طبعا) ممن ليس في السلطة في حالة تجاذب لإثبات مدى أحقيته هو أيضا بهذه الصفة لأنها من المشترك الذي لا يمكن ادعاؤه أو احتكاره، إذا كنت مسلما مصريا عاديا، فأيهما الأصوب والأفضل أنت أم المسلم الإخواني، هذه لحظة مهمة في تنازع الهوية والصفة المشتركة بين المسلم العادي الذي يدرك أنها تمثل ذاته وثقافته وتكوينه، وبين المسلم الحركي الذي يتخذها سلاحا وأداة في مواجهة الخصوم والسعي نحو السلطة.
يبدو أن المعركة طويلة للغاية، ليست بين الأنظمة وبين الحركيين، إنها بين الشارع العربي المسلم وبين الحركيين خاصة حين يصبحون في السلطة أو يقتربون منها، فالحكم يقتضي إعلاء لقيم المشترك وليس محاولة لاحتكار المشترك، وفي التجربة المصرية وعلى امتداد عام من حكم الإخوان كانت الكثير من الأصوات التي تعلو ضد الجماعة هي في الواقع أصوات تدافع عن نفسها وعن حقها أمام محاولة التسلط القائمة على ادعاء الإسلامية. بالتأكيد أن ما تحتاجه الدولة الحديثة يختلف تماما عما تحتاجه الجماعة، ولذا كان كل موقف أو تحرك سياسي أو اقتصادي قامت به الجماعة طيلة العام الماضي إنما كان الشارع يستقبله ويحاكمه وفق مبدأ (الإسلامية)، الذي تصر الجماعة على وصف نفسها به، والتي اتضح بعد ذلك أنها كانت بضاعة يتم بيعها لكسب الداخل، بينما هي عبء يسعون لإثبات خلافه مع الخارج ومع العالم، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل.
لم يلبث الشارع المصري طويلا ليكشف لنفسه أولا أنه إذا رفض الجماعة فهذا لا يعني أنه يرفض الإسلام الذي تترس به الجماعة، وهو ما سيشهد امتدادا في العالم العربي الذي سيعيد النظر ليفرق حقا بين المتدين والمسلم الذي يشترك معه في تدينه وإسلامه، وبين المتدين الحركي، يخطئ الحركيون حين يظنون أن استثارة العامة بالخطابات الدينية ستؤتي أكلها كل حين، إنها قد تنجح حينا من الدهر، لكنها لا تدوم.. قارنوا فقط بين صورة الإخوان في الشارع المصري منذ عام وصورتها الآن.