-1-
هل صدّق أحد من العرب المقهورين، والمشردين، والمنفيين، والمطاردين، والمسجونين عينيه، وهو يري أصنام الدكتاتور تنهار واحدا بعد الآخر عام 2003 في بغداد، والبصرة، والنجف، وكربلاء؟.
وهل كان من المعقول أن يُسحق أول دكتاتور عربي في التاريخ على هذا النحو الذي تم عام 2003، كما سُحقت الدكتاتورية في ألمانيا، والاتحاد السوفييتي، ورومانيا، وكوسوفو من قبل؟.
وهل من المعقول أن القدر لم يعد ينتظر الدكتاتوريين العرب لأن يزهقهم الموت الطبيعي؛ كي تتخلص منهم الأمة، فأصبح يُرسل لهم القوى الشعبية و"الخفية"، للخلاص منهم؟.
ألا يذكرنا منظر انهيار أصنام الرئيس النفيس، والزعيم العظيم، والأديب اللبيب، والمُهيب العجيب، وفرعون الرافدين، بمناظر سقوط أصنام هتلر، وموسوليني، ولينين، وشاوشسكو، وميلوسوفيتش، وهي تنهار وتتساقط واحدا وراء الآخر، في أنحاء متفرقة من ألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد السوفييتي، ورومانيا، وكوسوفو؟.
فمتى يسقط بشار الأسد الدكتاتور السوري الحالي، كما سبق وسقط من قبله صدام حسين، ومعمر القذافي، وغيرهما من الحكام الدكتاتوريين؟.
-2-
نعم، كانت تلك هي النهاية الحتمية للدكتاتورية الطاغية الباغية في كل زمان ومكان، حتى وإن طال الزمن.
إن انهيار وسقوط أصنام الدكتاتور في العراق، وليبيا، ونواحي أخرى من العالم العربي الذي يجتاحه فصل "الربيع العربي"، منذ عامين، ظاهرة عربية غير مسبوقة، لا في الماضي، ولا في الحاضر.
فتأملوا هذه الظاهرة تماما، وهي تكتب تاريخا جديدا في المنطقة، وفي سجل العرب!.
-3-
في عام 2003، كنا نتمنى أن يكون انهيار حكم البعث وسقوط الدكتاتور بيد الشعب العراقي، وليس بيد جنود قوات التحالف، ولكن الشعب العراقي الأعزل، كان معذورا ومغلوبا على أمره، ولا يملك منه شيئا، في ظل حكم أقسى الطغاة، وأعتاهم، وأشرسهم، وأكثرهم حماية لنفسه، ولنظامه، من خلال تلك الأجهزة المسلحة التي كنا نسمع عنها سمعا، ولم نر حجمها وشراستها علي أرض الواقع إلا من خلال الحملة العسكرية على العراق. كذلك الحال الآن بالنسبة لسورية.
فالمقاومة الشعبية السورية تطلب بإلحاح الآن، العون من الخارج؛ لأنها تعلم أنه من دون هذا العون من الصعب سقوط الدكتاتور السوري، الذي أصبح يدافع عن حكمه طيلة السنتين الماضيتين بأسلحة فتاكة، لا تملكها المقاومة الشعبية السورية.
-4-
نعم، لقد كانت حيلة الشعب العراقي، أمام طغيان فرعون مفقودة.
فماذا يمكن أن تكون حيلته عام 2003 أمام هذا العتو، والقسوة، والوحشية، وهذه الميليشيات التي لا عدد لها من الجنود المرتزقة، التي كانت تحمي الدكتاتور والدكتاتورية علي غرار النازي والنازية؟.
وما هي حيلة الشعب السوري الآن، أمام هذا العتو الجديد، والقسوة، والوحشية، وأجهزة الأمن المستوحاة من النظام البوليسي للدكتاتور الألماني السابق إيريك هونيكر (1976-1989) الذي كان صديقا حميما لحافظ الأسد، والذي ساعده – بوليسيا – طيلة أربعين عاما مضت على تثبيت دعائم حكمه؟
-5-
لقد كلفت إقامة أصنام الدكتاتورية في العراق مئات الآلاف من الشهداء في حربي الخليج الأولى 1980-1988 والثانية 1991، وفي حلبجة، والموصل، والبصرة، وبغداد، وفي أنحاء العراق كافة.
وكلفت إقامة أصنام الدكتاتورية في العراق مليارات الدولارات التي أحرقها "فرعون الرافدين" في وجه الشياطين في حروبه مع العرب والمسلمين، ثمنا لإقامة أصنام الدكتاتورية. وكلفت إقامة أصنام الدكتاتورية في العراق مئات الملايين لبناء قصور فرعون المجنون بالعظمة، بينما كان يموت الشعب العراقي في الجنوب – خاصة - من الجوع والعطش. ودفعت الدكتاتورية في العراق مئات الملايين لبناء المخابئ Bunkers تحت الأرض، لحماية فرعون، وأهله، وصحبه، كما وصفها المهندس الألماني كارل إيزر Esser الذي اشترك في بناء هذه المخابئ، وكان يعمل في شركة المقاولات الألمانية Boswau & Knauer التي نفذت بناء هذه المخابئ في عام 1984، بتكلفة 60 مليون دولار.
كذلك فعلت عائلة الأسد في سورية. فبنت القصور الباذخة، وصرفت مليارات الدولارات على بناء نظام أمني بوليسي، أدركت فوائده الآن وفي السابق. وكان له الآن الدور الأكبر في مقاومة بشار الأسد للشعب السوري وثورته. إضافة لذلك، فقد تم نهب سورية. وأُفلتت يد الفساد والفاسدين واللصوص والسارقين في سورية فنهبوها، واستولت فئة صغيرة من أقارب الحكام على معظم التوكيلات التجارية الأجنبية المهمة في سورية. وتم نهب لبنان سنويا أثناء الاحتلال السوري للبنان (1976 – 2005)، وحُكم لبنان من قبل الإدارة السورية.
إن روعة وبهجة سقوط أصنام الدكتاتور في العراق وليبيا، لا يضاهيها روعةً وعظمة وبهجة إلا سقوط الصنم الباقي من أصنام الديكتاتوريات.
فهل نشهد قريبا نهاية الدكتاتورية في سورية، كما شهدناها في العراق وليبيا وغيرهما من بلدان "الربيع؟.