أسوأ الحالات التي تنتاب الإنسان هو الإحباط، لأنه مقدمة لتراجعات نفسية كثيرة سيمر بها. الموظف حينما يكون محبطاً لن تكون لديه رغبة للعمل، وإن عمل لن يكون متحمساً، سيركن للكسل، سيتوتر دوماً.. لأنه يشعر أنه لم يحقق أهدافه. سيكون نقطة ضعف في دائرة العمل. ومع الأيام ستنعكس حالته سلباً على إدارته.

شيء من ذلك لمسته بنفسي، حينما زرت (كتابة العدل الأولى) في مدينة كبرى قبل أيام. حينما دخلت وجدت الزحام يملأ ممرات الإدارة، مررت على قسم الاتصالات الإدارية بالمبنى، فقابلني موظف يشابه "اللمبي" نهرني بصوت مرتفع: "وش تبي.. وش تبي"؟! لم أرد عليه.. تجاوزته نحو مكتب خلفي يتكدس فيه الموظفون، فاستقبلتني رائحة الفول- أظن أنه "بالسمن البلدي"- كان الموظفون قد فرشوا سفرة مربعة.. شعرت بالجوع لحظتها.. وددت مشاركتهم لكنهم لم يدعوني، خرجت متحسراً.. مررت على القسم المقابل.. أقسم بالله رائحة الطعام تشمها عند الباب.. فطور هؤلاء يختلف.. يبدو أنهم يحبون البيض والبصل.. دخلت القسم.. لكثرة الزحام والفوضى، استعانوا بثلاثة رجال أمن لتنظيم المراجعين.. تذكرت معارض السيارات وأصوات الدَّلالين.. سألت أحدهم ما هذه الفوضى؟ أجابني: "احمد ربك.. اليوم منظمين أصلاً!

خرجت للطوابق العليا.. وجدت الزحام ذاته والفوضى ذاتها.. لاحظوا أن هذه الإدارة من كبريات كتابات العدل بالمملكة! قررت التوجه لمكتب رئيس كتابة العدل.. وأنا في المصعد ارتفع آذان الظهر.. انتهت الصلاة.. توجهت لمكتب الرئيس مرة أخرى.. لم يعد الرئيس من الصلاة.. ازدحمت الممرات بحثاً عن الرئيس.. قلت لأحدهم يبدو أن الرئيس أخذ غفوة بعد الصلاة.. طالت الغفوة.. قلقت على "الريّس".. ربما أغلق عليه باب المصعد.. أو تزحلقت قدماه في الحمَّام.. ازدحم الناس أمام مكتب "الريّس".. الكل يسأل: هل انتهت "صلاة الريّس" أم لا؟!

مللت الانتظار.. خرجت من كتابة العدل، وتركت خلفي موظفين محبطين.. لا حوافز.. لا امتيازات.. لا بدلات.. لا ترقيات.. لا تدريب.. "لا حامض حلو لا شربت".. كنت أود أن أخبر فضيلة الرئيس عن مشاهداتي، لكن صلاته ما تزال قائمة، تقبل الله منا ومنه!