كان "علي الوابل" قد بدأ للتو تريّضه اليومي في ممشى طريق الملك عبدالله بالرياض، ولم تكن الساعة قد تجاوزت السادسة مساءً، حين تلقى اتصالاً من شخصٍ لا يعرف سوى اسمه، والذي ما أن ألقى عليه السلام، حتى بادره بفكرة تأسيس مجموعة تطوّعية تنشط في مجال التعريف بدور الصيدلي وبتثقيف المجتمع دوائياً، وأنها سوف تقوم بكذا وكذا...
لم يترك "يوسف العمري" -الذي كان لا يزال طالباً- مجالاً لصديقه الجديد أن يقول شيئاً، غير أنه دعاه في نهاية اتصاله للاطلاع على صفحة "الفيسبوك" التي كان للتو أطلقها، وعده "علي" خيراً، وفي الليل زاد إقناعه بالفكرة، مما دعاه على الفور للكتابة في الصفحة، وأنه سوف يكون مشاركاً فعالاً في أي نشاطات تقرر، لكنه تفاجأ بأن تعليقه قد حذف خلال دقائق قليلة! مما جعله يستغرب ويرتاب في الأمر، غير أن اتصالاً سريعاً من "يوسف" جعله يدرك أن صاحبه الجديد يريده أن يكون شريكاً في التأسيس، وليس مجرد مشارك عابر! وهذا ما حدث بالفعل.
كانت الفكرة قد قدحت شرارتها قبل أيام قليلة، حيث قاد نقاشٌ صاخب بين مجموعة من المتدربين الصيادلة وكان منهم "يوسف" بالطبع؛ الجميع إلى الخروج بأن مهنة الصيدلة ودورها في المجتمع بحاجة ماسة إلى المزيد من العمل، مقارنة بالجهود المبذولة من قبل أبناء التخصصات الصحية الأخرى، فضلاً عن كون أغلب الجهود الصيدلانية التطوّعية غالباً ما كانت تظهر لفترات قصيرة ثم ما تلبث أن تتوقف، بسبب انشغال المشاركين وضعف الدعم وغياب التمويل.
وهكذا خرجت فكرة مجموعة تطوعية تقوم على أكتاف الصيادلة والصيدلانيات أنفسهم، وتعتمد في عملها على إبراز "بصمة" الصيدلي الحقيقية في حفظ الأرواح والأموال والأوقات، ومنذ بدايتها منتصف عام 2010، ومجموعة "صيدلي ولي بصمة" تعمل على إيجاد خطٍ مختلف، يكفل تميزها عن الغير، وتضمن لها الاستمرارية، وسط أمواج عالم التطوع الواسع الذي يضج بالأفكار دون الأعمال. وكان أن اعتمدت منذ البداية على تفعيل شراكات متنوعة مع الجمعيات والمؤسسات المهنية والخيرية، وبعض الجهات الصحية، مثل المستشفيات، لتساهم في استمرارية الفعاليات وتنوعها، ولاكتساب الخبرات والتجارب من تلك الجهات.
وهكذا انطلقت فعاليات المجموعة، والتي اعتمدت على إبداع أعضائها في كل شيء، بداية من إعداد المواد العلمية، مروراً بالتصميم والإعداد والطباعة، وانتهاء بتنفيذ الأجنحة التوعوية، مما جعلها تتبوأ موقع الصدارة بين كثير من المجموعات التطوعية، لكنها لم تحصر عملها فقط بطلاب وخريجي جامعة الملك سعود حيث تأسست، بل استقطبت خريجي كليات الصيدلة الأخرى بمدينة الرياض، ولم تكتف بذلك، بل خلال أشهر قليلة أضحى أعضاؤها من كافة صيادلة وطلاب الصيدلة من مختلف أنحاء المملكة، واليوم يقوم على إدارة المجموعة فريقٌ ضخم من الصيادلة والصيدلانيات الشباب ضمن لجان متعددة، من كافة مناطق المملكة، الأمر الذي امتد بالفعاليات إلى جدة، والمدينة المنورة، وجازان وغيرها.
لكن المجموعة لم تتوقف فقط أمام برامج التوعية والتواصل، بل اقتحمت ميدان تطوير مهنة الصيدلة نفسها، فدشنت برنامجاً طموحاً بالتعاون مع حاضنة "بادر" بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، لعقد تجمع سنوي لمبدعي ومبتكري الصيدلة، وكان أن التأم شمل لقائها الأول "Pharmacy CSF" العام الماضي، حيث طرح المشاركون خلاصة أفكارهم التطويرية ومبتكراتهم العلمية في مجال الصيدلة، مع حضور لافت للنماذج الناجحة من الصيادلة السعوديين، ولقد حقق البرنامج في دورته الأولى نجاحاً باهراً، حيث حصلت الصيدلانية "أسماء الحربي" وهي إحدى متحدثات البرنامج، على جائزة المركز الأول للبحث العلمي لفئة الطلاب في مؤتمر الصيدلة والتقنية الحيوية في دبي DUPHAT، بينما حصل الصيدلي فرحان العنزي على المركز الثالث، والصيدلي خالد الزايدي على المركز الخامس في نفس الفئة، بعد منافسة شديدة من طلاب منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن هذا التجمع الفريد من نوعه تحوّل إلى منصة لإطلاق باقة متنوعة من المبادرات التطوعية الصيدلانية.
وهذا العام تعود فعالية "Pharmacy CSF II" من جديد، ولكن تحت عنوان أكثر جرأة:"واقع يتغيّر"، وهو ما يعبّر بصدق عما يهدف إليه جمهور الصيادلة والصيدلانيات الشباب حالياً، ولكن في إطار تجمع أوسع، يزخر مرة أخرى بصيادلة ذوي نجاحات مختلفة وشباب ذوي إبداع ملهم، ليكون المنتج النهائي مختلفاً تماماً عن أي شيء آخر، والحقيقة أنني على أحر من الجمر، نحو حضور الدورة الثانية للفعالية في مدينة الرياض مساء العشرين من سبتمر 2013م، على رغم أن تذاكر الحضور قد نفدت خلال أول عشرين دقيقة من طرحها في الإنترنت قبل أشهر! حيث إنني متأكد أنني سوف أبهر بالجديد والمثير من الصيادلة الشباب، وخصوصاً حديثي التخرج، أو ممن لا يزالون على مقاعد الدراسة.
من جهة أخرى، تجاوز طموح المجموعة حدود المملكة، فلم تكتف فقط بالتحفيز والمشاركة في بناء وإطلاق استراتيجية العمل التطوعي الصيدلي الخليجي، الذي أعلن في المؤتمر الصيدلي الخليجي مارس الماضي، بل انطلقت نحو المشاركة في الفعاليات الدولية، حيث شارك نائب رئيس لجنة العلاقات العامة بالمجموعة الصيدلي بندر المالكي وعضو لجنة العلاقات العامة الصيدلي عبدالمجيد العنزي مؤخراً في الاجتماع السنوي لاتحاد الصيادلة العالمي، الذي أقيم خلال خلال شهر رمضان الماضي في مدينة "أوترخت" الهولندية، مما يعد سبقاً جديداً يضاف لرصيد إنجازات هذه المجموعة الشابة، التي تنشط بجهود أعضائها فقط.
وبعين الرضا التي كانت تحلم وتأمل بالكثير، ينظر مؤسسا المجموعة "يوسف" و"علي" اليوم وقد تحولت فكرتهما العابرة إلى بيت خبرة تطوعية يشاد بها، لكنهما يأملان بأن تتطور المجموعة إلى جمعية متخصصة في التوعية الدوائية، لتستمر المسيرة بعدهما، وليثبتا للعالم أجمع أن "بصمة" الصيادلة والصيدلانيات تحتاج فقط الفرصة لتصبح مكسباً للجميع.