حين يطل "عكاظ" يتحرك المكان ويموج بعشاق الثقافة والإبداع، وتلك غاية من يهتمون بالثقافة ويريدون لها أن تأخذ مكان الصدارة على خارطة الفعاليات على مدار العام، فمن خلالها يرتقي الوعي الجمعي وترتفع الذائقة.. ويعود للكتاب وهجه الذي يقولون إنه خبا وما عاد كما كان.

عبر استمرارية "سوق عكاظ" الذي انطلق الأسبوع الماضي في دورته السابعة، وعبر ما يماثله أو يقاربه من أحداث ثقافية فإن الإبداع لا يبقى ضيفا يأتي بين حين وآخر، وإنما يصبح راسخا مستقرا والآخرون من متذوقيه ضيوف عليه، يسقيهم شعرا ومسرحا وفناًّ... ويصعد بهم إلى عوالم طالما حلموا بها. فتتكرس حالة من نوع مختلف، حالة تحرض الذات الخلاقة على صناعة الجمال حيثما حلت.

لذلك فإن فكرة انعقاد سوق عكاظ على مدى شهر سنويا فكرة مميزة، ومثلها الانطلاق أبعد من ذلك لتكون أعماله ممتدة على مدار العام، بحسب حديث الأمير خالد الفيصل، في المؤتمر الصحفي أول من أمس. وإن أنجز مثل هذا المشروع فإن الخطوات الفعلية لتكوين ذائقة جمعية تكون قد ابتدأت، ولعل مشروعات أخرى مشابهة تنطلق في أكثر من مكان، فتتحول الأمكنة إلى كتل تغرس في النفوس رؤاها المحلقة بعيدا في عوالم الجمال.

عكاظ في جوهره ليس إلا رمزا لزمن كانت فيه الذائقة في أوجها، وأعيد إحياؤه لإرجاع ذلك الأوج لذائقة الجيل الجديد كي يتحرر من سطوة الزمن الاستهلاكي، الذي نأى فيه الناس عن الثقافة التي "لا تطعم خبزا" كما يرى الكثير، لكنها في حقيقة الأمر تصنع زمنا مختلفا وتطعم أدبا وشعرا وفنا، وتلك أغذية للروح وليس للجسد. وحين تتغذى الروح فإن الجسد يكمل مسارات الحياة بثقة وقد توهجت فيه الروح.

ولعل استمرارية تلك المشروعات أهم ما يجب أن يكون، فمن خلالها تتشكل العملية التراكمية لتكوين الذائقة الجمالية، ومع مرور السنوات لا تبقى الحالات الفردية لمتذوقي الإبداع وحدها من يوجد على الساحة، بل يصبح غير المتذوقين هم الاستثناء والتذوق هو القاعدة.

ومما يحسب لـ"عكاظ" استحضاره لرموز الإبداع في التاريخ، فأن يأتي الأعشى "ميمون" هذا العام، ففي حكاياته الكثير من الشعر الرصين وكذلك الطرافة، ومعه يعود شيطانه الشعري المسمّى "مسحل بن أثاثة" بحسب روايته التي قصها للناس ذات يوم، وصدقوه حينها، فكتبت وصارت جزءا من التاريخ الأدبي.

أما حكايات "عكاظ" اليوم، فهي حقائق ملموسة، والأمل أن تتخطى المكان لتنجز فكرة الانتشار وتحقق الطموح بغرس الذائقة، ويصل أثرها إلى مختلف الجهات.