..وأما إذا أردتَ أن تكون بطلاً، ويصنع لك المعجبون "المدرعمون" تمثالا من قش تذروه الرياح، فما عليك إلا أن تختار فعلا واحدا مما يلي:
1-اقتحم أيَّ مكان عام، واحرص على أن يكون هذا المكان مما تُسلط عليه أضواء الإعلام، وليكن مناسبة وطنية، أو مهرجانا ثقافيا، أو محاضرة عامة، واستصحب معك من تابعيك أقربهم إليك، وأكثرهم انقيادا لك، ثم مارس "الإنكار".. أنكر أي شيء، فليس مهما أن يكون ما تنكره منكرا بالإجماع، وليس مهما أن يكون منكرا في الأصل، وإنما المهم أن تمارس "الإنكار للإنكار"، وهو مذهب جديد يشبه في قواعده نظائره من المذاهب التي يراها البعض "عبيثية"، لاهدف لها سواها هي، ومن ذلك: "الفن للفن"، ومثله: "الإنكار للإنكار"، و"الرفض للرفض"، و"الممانعة للمانعة"، وحين تمارس "الإنكار" فإنك ستجد عشرات الآلاف من المؤيدين الذين يؤيدون للتأييد، دون وعي بمقاصدك، سواء أكانت تنظيمية مركبة، أم فردية ساذجة، ودون معرفة بالتفاصيل، بل ودون علم بالحقيقة، لأن "المؤيدين للتأييد" يعتمدون على طريقة "الإعلام الاجتماعي" في إيصال مشهدك البطولي، وذلك من حيث: العنوان، وتوجيه الصياغة اللغوية، وقد يصل الأمر إلى "المونتاج" لتكون البطولة مسرحية ذات حبكة، تؤثر في عواطف "المدرعمين"، وأكثرهم من العامة، وتستجدي اندفاعات "المهايطين"، وأكثرهم من الكاذبين.. ستكون "بطلا" ورمزا خلال ساعة، وبخاصة إذا ادعيت أنك اعتُقلت، أو تعرضت إلى مكروه ناجم عن "شجاعتك" المزعومة.
2-اكتب بالنار مقالا تهاجم فيه رمزا فردا، أو مؤسسة رسمية، أو مجموعة بشرية، هجوما لا مكان فيه للهوادة ولا للموضوعية ولا للإنصاف، ولا مجال فيه لذكر الإيجابيات.. هاجم فقط، واستعن بما تكتنزه ذاكرتك من ألفاظ المصادرة والرفض و"الشتم"، واتهم "الضحية" في عقيدته أو أخلاقه أو سلوكياته، وعندها ستجد الآلاف يقولون لك: "بيّض الله وجهك"، وسيزداد عدد متابعيك في "تويتر"، وتُنشأ "هاشتاقات" باسمك وفعلك، بوصفك الأكثر شجاعة وجرأة، بينما أنت في حقيقتك ـ وأنت بذلك عليم ـ لست سوى باحث عن الذات بطريقة خاطئة، وغير أخلاقية.
3-"غرد" بجملة تصطدم بثابت عقدي، أو وطني، أو قيمي، واجعل معناها لا يحمل سوى المعنى الذي أردتَه، ثم اختف من "تويتر"، وأغلق جوالك، وسافر إلى أحد المنتجعات.. ستكون "بطلا" ومشهورا، وسيوقع "الحقوقيون" على بيان يستنكر اعتقالك، ويطالب بالإفراج عنك.
4-كن صيّاداً مكتنزا بالشر، ومارس هواية الاجتزاء من مقالات الناس وكتبهم وقصائدهم وتغريداتهم، ثم فسر ما اجتزأته على هواك، مبعدا إياه عن سياقاته ومناسباته، وانشره عبر إحدى وسائل "الإعلام الاجتماعي".. عندها ستكون "بطلا" من نوع آخر، وسيقلدك آخرون من "ضعاف النفوس والأدوات"، ومن الشاعرين بالنقص أمام كل ذي منجز.. ستكون "البطل" المختلف، لأنك تصطاد ولا تُصاد إلا من ضميرك، وقبله إلهك، سبحانه الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.