قبل اثنين وأربعين عاماً، وبالتحديد في الأول من شهر صفر عام 1392 للهجرة، انطلق صوت إذاعة القرآن الكريم من المملكة حاملاً مشعل ورسالة القرآن الكريم الذي هو منهج ورسالة هذا الوطن المقدس حيث أنزل هذا الكتاب العظيم الذي هو هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وجاءت فكرة إذاعة القرآن الكريم في ذلك الوقت بمبادرة من معالي وزير الإعلام الأسبق الشيخ إبراهيم العنقري ـ رحمه الله ـ الذي رفعها للملك فيصل ـ رحمه الله ـ فباركها وأيدها، فانطلق بثها ساعتين يومياً ثم زادت ساعات البث حتى بلغت أربعاً وعشرين ساعة وتمت تقوية إرسالها بمرسلات قصيرة ومتوسطة، وأزعم أن مستمعي إذاعة القرآن الكريم يشكلون نسبة كبيرة من المواطنين ومن غير المواطنين في خارج المملكة، خاصة أن بثها يصل ـ ليس فقط على موجات الإرسال العادية المتعارف عليها ـ بل على مواقع الإذاعات السعودية على الإنترنت وعبر الأقمار الصناعية، وقد لا أبالغ إذا قلت: إن نسبة مستمعيها تنافس في كثير من أوقات البث إذاعتي المملكة: البرنامج العام والبرنامج الثاني.

وقد أولت المملكة ـ ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام ـ إذاعة القرآن الكريم وقناتي القرآن الكريم والسنة النبوية التلفزيونيتين جل اهتمامها، وتم دعمها بالكوادر الفنية والإدارية، كما تم دعم إذاعة القرآن الكريم بالتسجيلات والتلاوات القرآنية النادرة لمشاهير القراء، وأسهم أصحاب الفضيلة العلماء في إثراء هذه الإذاعة المباركة بالفتاوى والبرامج الدينية المتميزة، فاستقطبت قطاعاً عريضاً من المستمعين، ولعل برنامج "نور على الدرب" - الذي يعد من أهم وأقدم برامج الإذاعة - خير مثال لمتابعة المستمعين الكثر لهذه الإذاعة الطيبة، كما كان هناك برنامج يهتم بالناشئة وحفظهم لكتاب الله هو برنامج: "ناشئ في رحاب القرآن الكريم"، ولا أعلم لماذا أوقف هذا البرنامج الذي يشجع الصغار ذوي الأصوات الندية على حفظ كتاب الله، بل ويبرز مواهب من كل المناطق في حسن الصوت والتجويد، وكنت أتمنى أن تزاد مدته ويطوف مناطق المملكة بدلاً من إيقافه أو استبداله، وقد أولت هيئة الإذاعة والتلفزيون في الوقت الحاضر اهتمامها بإذاعة القرآن الكريم في نطاق الحرص الشامل للهيئة على تطوير الإذاعة والتلفزيون؛ لكن مع كل هذه الإيجابيات الطيبة والطبيعية فإن هناك ملاحظات يراها كثير من المتابعين قد استجدت على إذاعة القرآن الكريم؛ فقد بدأت تتقمص شخصية غير شخصيتها بإدراجها البرامج الحوارية والاتصالات الهاتفية ضمن برامجها مما لا يدخل في دائرة اختصاصها في تصوري، فهذه الإذاعة الكريمة لها خصوصيتها ونهجها وخطها الذي تسير عليه فليس من المناسب مثلاً أن تخصص الإذاعة فترة البث الذهبية في الصباح مثلاً لبرنامج عن "النوم حقائق وأسرار"، كما سمعته ولمدة تزيد عن الساعة ونصف الساعة، واستضافت فيه أطباء وتلقت اتصالات هاتفية؛ فالبرامج الحوارية التي تعالج قضايا اجتماعية مثلاً هي من اختصاص إذاعتي: البرنامج العام والبرنامج الثاني، كما أن من الملاحظ أن التلاوات النادرة التي كانت تتميز بها الإذاعة قد وضعت في أوقات غير مناسبة للمستمعين، فالذي أعلمه أن تلك التلاوات بل تلك المصاحف المرتلة والمجودة هي ثروة قرآنية نادرة بذل مسؤولو الإذاعة السابقون وقبل عدة سنوات جهوداً كبيرة للحصول عليها من الإذاعات الشقيقة بمصر وغيرها، فلماذا لم يعد التركيز عليها؛ فيما نسمع تلاوات لأئمة عدد من المساجد وهي تلاوات طيبة لكن تسجيل بعضها غير تقني، بل إن بعضها ليست ذات تجويد محكم والتجويد أساسي وجوهري، ومع التقدير للإخوة المسؤولين في الإذاعة، فإن ذلك قد يفقد الإذاعة قطاعا كبيراً من مستمعيها اعتاد في أوقات حية على متابعة المصاحف المشار إليها لكبار ومشاهير القراء أمثال: الشيخ المنشاوي، والشيخ عبدالباسط، وغيرهما، فتلك المصاحف هي في الواقع مصاحف معلمة تجويداً وإتقاناً إضافة إلى نعمة الصوت الجميل التي وهبهم الله إياها.

كما أن مما تتميز به الإذاعة تلاوات الحرمين الشريفين، وهي ميزة تنفرد بها..

وثمة ملاحظة أخرى؛ وهي أن إذاعة القرآن الكريم تبث نشرات أخبار خلال إرسالها وهذا شيء طيب ومرغوب، لأن بعض المستمعين لا يحبذون سماع الأخبار ومواجيز الأنباء من الإذاعتين الرئيستين لأن هناك فواصل موسيقية خاصة في المواجيز بين كل خبر وخبر، وهذا عرف جديد في الأخبار لا نراه في الإذاعات الأخرى، لكن الأخبار في إذاعة القرآن الكريم تحتاج اهتماما أكبر سواء من حيث الخبر نفسه ونوعيته وحداثته، أو من حيث اختيار المذيعين قارئي الأخبار فأغلبهم يقع في أخطاء لغوية وهذا لا يليق بلغة القرآن في إذاعة القرآن، ولعل بعضهم من المذيعين الجدد، ولا أعلم لماذا لا يستعان بمذيعي البرنامج العام لقراءتها، لأن من الأهمية الحرص على الأداء الإخباري لغة وصوتاً وحضوراً وتفاعلاً. وبالمناسبة، أذكر أنه في زمن مضى، كان المذيع لا يقرأ الموجز ناهيك عن النشرة إلا بعد تمحيص وتدقيق وتدريب ومرافقة كبار المذيعين، فالمذيع هو العنصر الأهم في الأخبار..

إنني آمل في ختام مقالي من معالي رئيس الهيئة الأستاذ عبدالرحمن الهزاع ومن سعادة نائبه لشؤون الإذاعة الأستاذ مجري القحطاني، وهما من أركان الإعلام وذوي خبرة طويلة في الإذاعة والتلفزيون، إعطاء المزيد من الدعم والاهتمام لهذه الإذاعة المباركة العزيزة على قلوبنا جميعاً وهم مأجورون إن شاء الله على ذلك، فهي تحمل مشعل الخير والنور والهداية.