للقوة الاقتصادية التنافسية واجهتان: داخلية وخارجية. الواجهة الداخلية تتطلب براعة الدولة في تطوير قطاعاتها الإنتاجية لصالحها وتسخير مواردها الاقتصادية لخدمة مواطنيها. أما الواجهة الخارجية فتعتمد على براعة الدولة في توجيه دفة العولمة لصالحها والاستفادة من مبادئ النظام العالمي لخدمة أسواقها. ولكل دولة من دول العالم قوة اقتصادية تنافسية مميزة، تعتمد في مستوياتها على مقدار دعمها وتشجيعها لقطاعها الخاص، وتسهيل أعماله في أسواقها من خلال صرامة أنظمتها ورغبتها في التطوير والابتكار وقدرتها في السيطرة على معدلات الفساد والفقر والجهل والبطالة والتضخم.
إحصائيات مركز التعداد السكاني في الأمم المتحدة أكدت أن عدد سكان المملكة، الذي كان لا يزيد على 3 ملايين نسمة في عام 1950، سيقفز 10 أضعاف ليصل إلى 31 مليون نسمة في عام 2015، ومن ثم سيتضاعف ليفوق 62 مليون نسمة في عام 2050، لتحتل المملكة المرتبة الـ29 في العالم في عدد السكان وتتفوق بذلك على بريطانيا، التي ستقع في المرتبة الـ30 بعدد 58 مليون نسمة.
عندما نتحدث عن المملكة اليوم، فإننا نتحدث عن أقوى اقتصاد في العالم العربي والثامن عشر في العالم أجمع، إضافة لكون المملكة تحتل المرتبة الأولى في جذب الاستثمارات الأجنبية في الشرق الأوسط والمركز الـ11 في التنافسية العالمية، حيث أكملت المملكة 245 إصلاحاً اقتصادياً، وواصلت تصدرها جميع الدول الخليجية، ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعندما نتحدث عن المملكة اليوم، فكأننا نتحدث عن الصين التي تمتلك أكبر اقتصاد في الشرق الأقصى وثاني أكبر اقتصاد في العالم، أو ألمانيا التي تمتلك أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ورابع أكبر اقتصاد في العالم بعد أميركا والصين واليابان.
وعندما نتحدث عن القوة الاقتصادية التنافسية، فإننا نتحدث عن الدول التي برعت في توجيه دفة العولمة لصالحها، بما فيها الدول الشيوعية والاشتراكية الأكثر عداوةً لقوانين الرأسمالية وأحكامها الليبرالية. فبعد عقد من انضمامها لقطار العولمة في 11 ديسمبر 2001، تتصدر اليوم عاصمة الشيوعية "بكين" قائمة أقوى المدن في القوة الاقتصادية التنافسية، بما فيها المدن الرأسمالية المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية. اليوم أصبحت "بكين" تمتلك ثاني أكثر المقرات لأكبر 500 شركة في العالم، وتحتل المركز الثالث في معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي، والمرتبة الأولى في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والثانية في قيمة الصادرات بين مدن العالم. وغدت "بكين" الشيوعية أقوى منافس لأعتى المدن الرأسمالية، وتقدمت على "نيويورك" و"لندن" و"شيكاغو" و"باريس" و"برلين" و"مكسيكو سيتي" في كافة القطاعات التجارية والمالية والثقافية. وبعد انضمام "بكين" لنادي الأغنياء، ارتفع مجموع إنتاج المدن السبع إلى 8% من الناتج الإجمالي العالمي، علماً بأن مجموع سكانها لا يزيد على 3% من إجمالي عدد سكان العالم. كل ذلك جاء نتيجة دعم الصين لقطاعها الخاص وتشجيعه على الإبداع والابتكار.
في عصر العولمة يحدد القطاع الخاص مستوى القدرات التنافسية للدول، لكونه القطاع الأكثر قدرةً على توفير الوظائف للمواطنين. فإذا ارتفعت نسبة مساهمة هذا القطاع في تشغيل العمالة الوطنية، ارتفعت قيمة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، ليصبح المحرك الأساسي للاقتصاد. لذا قامت ألمانيا بتعزيز قوتها الاقتصادية التنافسية من خلال وضع قطاعها الخاص على رأس قائمة أولوياتها، لتصبح قاعدتها الأساسية في توظيف مواطنيها بمختلف أنشطتها التجارية والصناعية والتقنية والهندسية والطبية والسياحية. فأصبحت ألمانيا اليوم محركاً رئيساً للتقنية في أنحاء العالم وتصدرت قائمة براءات الاختراع المتعلقة بالأسواق الدولية. ونتيجة لقدرة الاقتصاد الألماني على الابتكار والتمتع بروح المبادرة على المستوى الأوروبي، أصبح القطاع الخاص الألماني اليوم جوهرة الاقتصاد العالمي، حيث يعمل فيه حوالي 70% من مجمل اليد العاملة ويَدُّرُ حوالي 95% من إجمالي الدخل المحلي، مما أكسب ألمانيا مكانةً في المنافسة العالمية في مجال تكاليف العمل، ليستفيد المستثمرون من الخبرة والتأهيل القوي للأيدي العاملة الوطنية التي استحوذت على 81% من وظائف القطاع الخاص.
وعندما نتحدث عن الصين وألمانيا، فنحن نتحدث أيضاً عن المملكة التي أجمعت التقارير الدولية على أن هذه الدول الثلاثة تتمتع بنظام مصرفي قوي وتنظيم مالي صارم ومستقر، تمكنت من خلاله على تجاوز الأزمة المالية العالمية بأمان، فخرجت منتصرةً من مرحلة التباطؤ الاقتصادي. كما تؤكد هذه التقارير على أن المملكة حققت في العام الماضي المرتبة الأولى عالمياً بين 181 دولة في نسبة الصرف على التعليم من الميزانية السنوية وبمعدل يفوق 26%، والمرتبة الأولى في نسبة المبتعثين لعدد السكان بمعدل يزيد على 0,03%، والمركز الـ4 بين دول العالم أجمع في الحرية المالية، والمرتبة الـ7 عالمياً كأفضل النظم الضريبية تحفيزاً للاستثمار، إضافة إلى تحقيقنا للمرتبة الـ30 في براءات الاختراع، لنحقق أعلى نسبة ارتفاع في المعدل السنوي للنشر العلمي للدراسات العلمية والأبحاث بمقدار 33% في عام 2012، تلتها الصين بمقدار 13%، ثم البرازيل بنسبة 9%، وكوريا الجنوبية بنسبة 7%.
بإمكان المملكة أن تصبح أيضاً الملاذ الآمن المميز لأفضل بيئة أعمال استثمارية في العالم وأكبر قوة تنافسية في المعمورة، ليس لامتلاكها لما يقارب من 25% من احتياطي النفط العالمي فقط، بل لتمتعها بأقوى قطاع خاص في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لذا من واجبنا مواصلة دعم قطاعنا الخاص وتشجيعه وتنمية موارده لأنه الجوهرة الحقيقية لقوتنا الاقتصادية التنافسية.