كثير من الفضائل والقيم العظيمة نتوارثها منذ مئات السنين.. لا شك في تأثيرها سابقا.. لكن هل لها ذات التأثير اليوم.. أعني هل الموعظة اللفظية واللغة المباشرة - أو التسجيل الصوتي المباشر - ما تزال ذات تأثير لدى الناس؟ هل بقيت الكلمات الوعظية التي تتلى في المساجد أو الندوات أو المناسبات ذات أثر حقيقي في زمن "يوتيوب"؟ هل يستوعب الجيل الحالي ما يقال له بعيدا عن وسائل التواصل الخاصة به؟

الواقع يقول إن هؤلاء الذين ما يزالون متمسكين بالطريقة ذاتها؛ يغردون في وادٍ سحيق لا يسمعهم أحد إلا كبار السن، مع بالغ التقدير لهؤلاء وأولئك.. من أراد أن تمضي كلماته وترسخ في العقول يجب أن يخاطب الشباب باللغة التي ألفوها، والطريقة اعتادوا عليها..

_ الزميل العزيز "لقمان البلوشي" بعث لي عبر (الواتس أب) مقطعا جميلا يختصر فضيلة "صنائع المعروف تقي مصارع السوء" في مشهد تمثيلي مؤثر.. كثيرا ما سمعت القصص التي تتحدث عن هذه الفضيلة العظيمة.. وكثيرا ما تحدث عنها الوعاظ والدعاة.. لكن المشهد - وإن كانت قصته بسيطة جدا، ومكررة ، إلا أنه معبر ويختصر آلاف القصص والحوادث التي تعززها.. تم إخراجه في تايلند حسب ما هو موضح، بشكل مشوّق، لا يتجاوز ثلاث دقائق -اختصاري للمشهد سيكون مخلا بجماليته ولا شك- هو يتحدث عن طفل حاول سرقة زجاجة دواء، فأمسكت به صاحبة المحل، وصرخت به بصوتٍ عال، فتقدم أحد الأشخاص نحو الطفل قائلا: "هل أمك مريضة"؟ - فأومأ الطفل المرتبك بالإيجاب، فقام الرجل بدفع قيمة الدواء للسيدة.. لينطلق الطفل يجري ذائبا وسط الزحام وهو يحمل زجاجة الدواء.. الدقيقة الثانية من المشهد تختصر ثلاثين سنة، حيث يقع الرجل ذاته مريضا، ويقوم الطفل -الذي أصبح طبيبا كبيرا- بدفع قيمة العلاج الباهظة.. متى يستوعب بعض الدعاة أن طريقتهم التقليدية في نصح الشباب وإرشادهم، هدر للوقت وإرهاق للحناجر والحبال الصوتية.. وأن الأجدى نفعا وأبقى أثرا هو مخاطبتهم باللغة التي يفهمونها، والوسيلة التي يألفونها؟!