ثمة حسرة في القلوب تذكيها نار تلك "الأيديولوجيا" التي راح ضحيتها أبرياء - أبرياء من المدنيين الذين قتلوا صبيحة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي انهار فيها برجا مركز التجارة العالمي، والتي تؤكد أن ثمة أبرياء آخرين ذهبوا ضحية لها، هم أبناؤنا الذين غُرِّر بهم ليودوا بأنفسهم إلى التهلكة إزهاقاً لأرواحهم بأيديهم، وربما بكامل إرادتهم مع شديد الأسف!
مرت الذكرى الثانية عشرة لذلك الحدث، دون زخم إعلامي عربي كالذي كانت عليه كل في بدايتها، والذي أتمناه أن تمر هذه النكبة الإنسانية على العالم أجمع وقد طواها النسيان، في ظل بيئة عامة من التسامح والتعايش والمحبة والإخاء، وألا تكون هذه الذكرى ذريعة لإعادة إنتاجها بأي شكل كان.
لقد دفعت الإنسانية الثمن وانتهى الأمر. لقد عانينا جميعاً - مسلمين وغير مسلمين - من تبعات هذه النكبة الكبرى، التي أوغرت الصدور وأشاعت التهم جزافاً، لقد دفعنا ثمنها بانتقال "الإرهاب" إلى بلداننا العربية، فقد أحبطت المملكة العربية السعودية وحدها العديد من خطط التدمير والقتل والتفجير وزعزعة أمن واستقرار المجتمع.
هذه الخطط تمت عن طريق تجنيد مئات الشباب للالتحاق بالجماعات المتطرفة للقتال، والمستهدفون - مع الأسف - هم صغار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، وقد سبق لزعيم تنظيم القاعد الراحل أسامة بن لادن، أن صرّح بأن استهداف هذه الفئة العمرية هو بسبب عدم نضوج عقولهم، وبالتالي سهولة انقيادهم واستدراجهم وتجنيدهم، ولا سيما عندما لا تكون لديهم أي أعباء والتزامات أسرية وحياتية؛ مما يسهل انضواءهم تحت ألوية التنظيمات والبحث عن ساحات القتال.
وما زالت قضية "الإرهاب" مع الأسف تتخذ من الدين مرتكزاً لتحقيق أهدافها، خاصة بعد أن اختلطت الأوراق ليصبح الأمر تحقيقاً لأهداف استراتيجية لبعض الدول الأخرى، التي تمول وتسهل وتدعم هذه الجماعات من أجل تحقيق أهداف استراتيجية.
فحين بدأت الثورات العربية استفادت كثير من الجماعات المتطرفة من الفوضى والانشغال الحاصل، ودخلت إلى بعض البلدان مثل ليبيا وتونس، والأمر ذاته بالنسبة للثورة السورية، التي عند بدايتها كانت ثورة سلمية إلا أنها دخلت بعد ذلك في نفق مظلم، سهّل خلالها النظام دخول الجماعات الإرهابية إلى بلاده ليثبت للعالم أنه "ضحية" تعاني من سطوة "الإرهاب"!
اليوم أصبح "الإرهاب" استثماراً لأطراف متعددة ومختلفة في الوقت نفسه، غير أن ما يبعث على الأسف هو قدرة "الإرهاب"، بمختلف أطرافه، على إنتاج نفسه عن طريق شباب مسلمين، الذين استُثمرت عقولهم لتؤدي أهدافاً تدميرية، تعتبر المجتمعات هي الخاسر الأول فيها.
وتلك العقول/ الضحية تحتاج إلى زمن طويل جداً كي تستوعب أن ما تفعله هو خطأ فادح، وقد أثبت الواقع أنه المعاش أنه من السهل القضاء على معتنقي الإرهاب كأفراد، ولكن من الصعب القضاء على الفكر المنحرف الذي يتميز بقدرته على النمو من جديد نتيجة عمق جذوره الفكرية؛ فإذا ما زال التشدد الديني ظاهرة في المجتمع فإنه يكون أرضاً خصبة لنمو الإرهاب.
وما زالت بعض الأسر السعودية تشعر بالحسرة والحزن في كل مناسبة تتذكر فيها أبناءها الذين خرجوا فقتلوا أنفسهم نتيجة رغبتهم في تحقيق "الجهاد" والشهادة في سبيل الله، وهنا ثمة مسؤولية اجتماعية تقع علينا جميعاً وتلزم المجتمع بحماية نفسه، فالعواطف الدينية الجياشة تعتبر سمة غالبة على المجتمعات الإسلامية، وهذا ما يؤدي للأسف إلى استغلالها من قبل الجماعات المتطرفة التي تعتمد على تأويل نصوص القرآن والسنة ودعمهما بالآراء الفقهية لإجازة القتل باسم الدين دعماً للفكرة الرئيسية/ الهدف، وهي الحصول على مكاسب سياسية دنيوية.
صحيحٌ أن شبابنا وعى قليلاً بعد أكثر من عقد ونيف على حادثة 11 سبتمبر، إلا أني أقول وبكل صراحة إن فئة من الشباب بمجتمعنا ما زالت متحمسة ومتشددة، وهذه ملاحظة لمستها شخصياً من خلال بعض الحوارات مع بعض الذين التقيتهم صدفة؛ فأشعرني الأمر أن مجتمعنا ما زال بحاجة إلى بيئة اجتماعية وتربوية معتدلة ومتوازنة غير حاضنة للتشدد، يعي فيها الشباب أهمية مشاركتهم في بناء وطنهم عبر الأنشطة الاجتماعية المختلفة، وهنا تظهر أهمية احتوائهم وتوجيههم هذه الوجهة.