في لقاء الجمعة، مع الأستاذ عبدالله المديفر كان الحديث يدور حول مفهوم: "الفوضى الخلاقة"، ذلك المصطلح السياسي الذي كثيراً ما تردد في الفضاء السياسي بعد الحادي عشر من سبتمبر.

وكنت ـ حقيقة ـ قلقاً بشكل كبير من عرض الموضوع، لما يحمل من حساسية كبيرة، ولأنه موضوع متشعب ويحتاج كل بعد منه إلى لقاء خاص، وإقناع الناس بهذا الموضوع صعب للغاية، لما يسببه من صدمة نفسية للكثير، وخاصة أولئك الذين تخدعهم الشعارات البراقة التي تستخدم كحصان طروادة للتسلل إلى الوعي والبلاد، والتأثير السلبي الذي ينعكس على علاقة الإنسان بمجتمعه ودولته وبلده، فيرتحل شعورياً إلى اللاوعي، حيث يستخدم لمشروعات الهدم وإعادة البناء التي يتقنها الغرب بفاعلية وعناية واحترافية.

وقد كانت ردود الأفعال جيدة تجاه الحلقة، والمفرح حقيقة ما تردد حول "الدور" الذي يتحمله الجميع تجاه مواجهة ما يجري، فإن كنا نرى أن "سيل" الثورات هادر، فماهي المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً، وهو سؤال بقدر سهولة عرضه إلا أن الجواب عليه يحتاج إلى جهد جهيد يتناسب وحجم المشكلة وكيفية مواجهتها، فخارطة العالم الإسلامي مرشحة لمزيد من الفوضى والتقسيم والإضعاف والتشتيت، وما نعيشه الآن ما هو إلا مقدمة لأحداث أعظم ستقع، إلا أن يشاء الله.

إن الأحداث الاستثنائية الكبرى لا يمكن مواجهتها عن طريق الأفراد، أو الجماعات، مالم يكن هناك وعي عام يمكن من خلاله تجييش كل العوامل الاجتماعية ومكوناته الثقافية والفكرية والسياسية للتعاون حول سبل المواجهة ورسم الخطط اللازمة لذلك، وهذا منهج يحتاج إلى حس وطني عال وحرص على حفظ الوطن من عاديات الأعداء وخططهم، فالمؤامرات إنما تنجح في المجتمعات المهترئة والمفككة، أما المجتمعات المتماسكة فإنها لا تستطيع اختراقها مهما حاولت القوى الكبرى في ذلك، فالوحدة والاجتماع والوئام عوامل فاعلة في هذه المواجهات، وهذا يقتضي الوقوف أمام كل سبيل لتفكيك هذه الوحدة والتأثير عليها، وكشف مخططات من يريد بالبلد سوءاً، سواء في الداخل أو الخارج، حتى نستطيع تحصين الحصون الداخلية.

قد يتصور البعض أن الحديث عن هذه "المخططات" شيء من الحديث الدراماتيكي الخيالي البعيد عن الواقع، لأن الفوارق الحضارية بيننا وبين من يخطط كبيرة، وهذا ناتج من الضعف الاستقرائي لما يحاك في دهاليز السياسة، وتصارع القوى والتسابق إلى مواقع النفوذ، والساسة أنفسهم يدركون هذا بشكل كبير من خلال العمليات الاستخباراتية والرصد والدراسات، ولكنها تظل عند نخبة من أهل القرار، وهذا هو حال العالم العربي الذي تظل الخطط رهينة لأهل القرار، بينما الناس في الشارع لا يطلعون على هذا ولا يعرفون ما وراء الأكمة في انفصال حاد بين الشارع وصناع الرأي والقرار، وهذا يجعل المسافات كبيرة بين ما يراه الساسة ووعي الشارع، والخطورة تكمن في استخدام الشارع لهذه المخططات دون أن يعوا إلى أي سبيل يسار بهم، وإلى أي أهداف تحقق من خلالهم.

إن وعي المجتمع لهذه الخطط وتبسيطها وتقديمها للناس عبر وسائل التأثير والتربية والخطاب الديني ومواقع التأثير كفيلة بأن تحصن المجتمع، وتجعله سنداً للوطن وحصنا منيعاً أمام العاديات، وهذا يحتاج إلى "تيار وطني" عريض يحمل الهم، ويقوم بدوره التاريخي في حالة الصراع المحتدمة، ويسعى جاهداً إلى الإصلاح المنبثق من هوية المجتمع واستقراره وطبيعته السياسية والدينية والثقافية، وهذا بلا شك سوف يفسد كل المخططات والمؤامرات التي تحاك في الصباح والمساء.