على مشارف إطلاق خطة التنمية العاشرة، لا يمكن قراءة الخطط التنموية للدولة بشكل عام، دون المرور على جانبين مهمين، يتمثل أولهما في تكامل أداء الوزارات ومستوى التنسيق بينها في تنفيذ أهداف وبرامج الخطط، بينما يكمن الآخر في رصد الإنجازات ومتابعة تنفيذ مشاريع كل وزارة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة على وزارة الاقتصاد والتخطيط الجهة المسؤولة عن صياغة سياسات وزارات الدولة وتحديد الأهداف ومتابعة برامجها ومشروعاتها.

وعلى الرغم من أن "الاقتصاد والتخطيط" تعد الضامن لعمل جميع الجهات الحكومية بروح واحدة لتحقيق أولويات السياسات المحددة، وحجر الزاوية لتوجيه الوزارات نحو المسار الصحيح، إلا أن دورها في مسألة التكامل المطلوب، ومتابعة برامج الدولة، وإيضاح مؤشرات الأداء، يكاد يكون معدوماً، وذلك حسب أكاديمي وخبراء اقتصاديين، طالبوا الوزارة بوضع الخطط الاستراتيجية التنموية التي تحقق الأهداف التنموية، والتي تعتمد في الأساس على الإنتاج، والإنفاق الاستثماري الذي يحقق للبلد عائدا ماليا مستقبليا، ومتابعتها عبر مؤشرات قياس أداء فعلية.


المتابعة ومؤشرات الأداء


عضو جمعية الاقتصاديين السعوديين عبدالحميد العمري، انتقد أداء وزارة الاقتصاد والتخطيط في متابعة تنفيذ خطط الوزارات، مبيناً أن الوزارة اكتفت بسرد المنجزات، دون الإشارة إلى الإخفاقات، وتقييم ما تم تحقيقه وما لم يتم تحقيقه من قبل الوزارات، مطالباً بأن تقوم "الاقتصاد والتخطيط" بمراجعة نقدية وفعلية لبرامج الخطط التنموية.

وفيما أشار العمري إلى أن وزارة الاقتصاد والتخطيط تعتبر جميع ما تحقق من قبل الوزارات سواء كان ذلك إنجازا أو إخفاقا أو فشلا، "منجزات" في تقاريرها السنوية، وشدد أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة فلالي، على ما تقوم به الوزارة من إيجاد الآليات والأدوات التي تقوم بتقييم الأداء في مختلف الوزارات عما تم إنجازه من خطط التنمية.

وبرأي العمري فإن الوزارة مطالبة بإلزام الوزارات بتقارير نصف سنوية لمنجزات وإخفاقات البرامج والمشاريع المدرجة في خططها، لكي تتم عملية المتابعة بشكلها الصحيح، وتتمكن الجهات الرقابية في الدولة مثل ديوان المراقبة ومجلس الشورى وهيئة مكافحة الفساد، من أداء عملها على أساس صحيح، وأرقام حقيقية.

ومن مبدأ التطوير المستمر لخطط وجهود الدولة الذي يعتمد في أهم جوانبه على مؤشرات قياس الأداء، وضع الخبير الاقتصادي فضل البوعينين يده على الجرح، مطالباً بتطوير المؤشرات، والتي لا بد أن تتوافق مع الواقع والوقت دون أي تأخير، بحيث لا تتأخر عن سنة، وهو الأمر الذي يعاني منه مجلس الشورى، إذ تتأخر بعض الوزارات عن تقديم تقاريرها لفترات تتجاوز الـ3 سنوات.

ولفت البوعينين إلى أن مؤشر البطالة في الإحصاءات العامة على سبيل المثال، يختلف عن مؤشر البطالة لدى مؤسسات ووزارات أخرى، في حين يختلف مؤشر النمو السكاني من جهة إلى أخرى، الأمر الذي يجعل من الصعب الاعتماد على هذه الأرقام، فضلاً عن أن المؤشر الحقيقي الرسمي لا يتوافق مع الواقع، معتبراً أنه من الصعب تحقق تنمية فعلية طالما ليس هناك مؤشر فعلي لقياس الأداء.

وبحسب العمري فإن عدم تفعيل ونشر مؤشرات الأداء، فلن تستطيع الأجهزة الرقابية أن تعمل بالشكل الصحيح، ولن تستطيع أن تحقق مهمتها الرئيسة، لا ديوان المراقبة ولا هيئة مكافحة الفساد ولا مجلس الشورى.





تكامل وزاري


تتمثل المشكلة الحقيقية التي تعاني منها التنمية في المملكة، بحسب فضل البوعينين، في عدم وجود تكامل بين وزارات الدولة، إذ إن فقدان التكامل يؤدي إلى فشل جميع خطط التنمية على أساس أن كل مشروع من مشروعات التنمية تهتم به وزارة محددة، ولكن هذا المشروع يفترض أن يكون على علاقة بوزارات أخرى، فإذا لم يكن هناك تنسيق وتكامل بين هذه الوزارات فمصير كل خطط التنمية الفشل.

وهنا طالب البوعينين، بتحسين مستوى التنسيق بين الوزارات والتكامل فيما بينها، والعمل الجماعي على رؤية مستقبلية محددة بأهداف، ومدعمة بخطط مشتركة، وهو ما يدعمه رأي أستاذ الاقتصاد الدكتور فلالي، الذي أكد بدوره على متابعة أداء كل وزارة على حدة، وتحديد الإنجازات التي تم تحقيقها، والتي لم يتم تحقيقها، وتحديد الفوارق بينها، ومن ثم بدء العمل على سد الفجوة في إطار ما كان مخططا له، ورفع مستوى التنسيق بين الوزارات، واصفاً ذلك بالمسؤولية غير السهلة.

وحكم البوعينين على خطط التنمية التي تقدمها وزارة الاقتصاد والتخطيط بالفشل، ما لم تكن ملزمة للوزارات الأخرى وغير مرتبطة بخطة عمل لتنفيذها وغير مرتبطة برؤية مستقبلية حكومية تقوم الحكومة بأعضائها المختلفين على تنفيذها.

وأضاف البوعينين: "المشكلة أن كل وزارة تعمل باستقلالية تامة عن الوزارات الأخرى، وهذا لا يساعد في تنفيذ الخطط التي تقدمها وزارة الاقتصاد، على فرضية أن هذه الوزارة تقدم جهدا يمكن الاعتماد عليه في عملية التنمية، إذاً هل نلوم وزارة الاقتصاد أم نعذرها نحن حقيقة نلومها ونعذرها في الوقت نفسه، نلومها على تقصيرها في تحقيق الأهداف التنموية التي تعتمد على التخطيط السليم ونعذرها بسبب تفكك الوزارات وتنافرها بدلاُ من تكاملها وتحقيق رؤية الحكومة على المدى البعيد".

وذهب البوعينين في حديثه إلى ضرب مثال على خطة الدولة في التوسع بالصناعات التحويلية، إذ قال إنه لا يوجد تنسيق بين الوزارات الفاعلة في هذا الجانب، حيث إن أي مستثمر يتقدم لإنشاء مصنع، يتحصل على الترخيص من وزارة التجارة، ومن ثم يضطر للذهاب للمدن الصناعية للحصول على أرض، ومن ثم الحصول على قرض من قبل صندوق التنمية الصناعية، كما يحتاج إلى وزارات أخرى مثل البترول والمعادن والشؤون البلدية والقروية والكهرباء للحصول على الطاقة الكهربائية على سبيل المثال، ويفاجأ بعد ذلك أن هذه الوزارات المستقلة لن تساعده على إنجاز هذا المشروع في الوقت المحدد له، إذ توجد مشاريع معلقة كثيرة ممن لديهم تراخيص من قبل وزارة التجارة، ولكنهم لم يبدؤوا لأسباب مرتبطة بوزارات أخرى.


964 مليار ريال مهدرة


قدر الخبير الاقتصادي عبدالحميد العمري الهدر في مشاريع الدولة منذ 2005 حتى نهاية 2012 بنحو 964.4 مليار ريال، في حين ما زالت مخصصات المشاريع ترتفع عاما بعد عام، مشيراً إلى أن الدولة وفرت منذ 2005 حتى نهاية العام الماضي نحو 1.5 ترليون ريال كقيمة مشاريع جديدة، وهو ما يعني أن إنجاز المشاريع لم يتجاوز الـ40%، بينما أن أكثر من 60% من المشاريع متعثر أو لم ينفذ.

وشدد العمري على أن الإخفاق في تنفيذ المشاريع، في ظل دعم سخي ووفرة في الموارد، سببه سوء التنفيذ والتنسيق والمتابعة، وهو ما يتفق معه البوعينين، الذي طالب بمزيد من الدفع لتحقيق التكامل بين الوزارات بما يحقق الهدف.

وأضاف البوعينين: "إذا لم نحقق رؤية الدولة فلن نتقدم قيد أنملة، بعد أن أتانا الخير بفضل الله في فوائض الميزانية منذ أكثر من 7 سنوات، وتراكمات في احتياطاتنا المالية التي لم نستفد منها حتى الآن"، مشيراً إلى أن الاستثمارات المالية غير مجدية في الوقت الحالي، وأن هذه الأمور بمجملها تحتاج إلى نظرة إستراتيجية وتكاملية.

وعن مراجعة هذه الإخفاقات في تعثر المشاريع، قال العمري إنه في حال توفرت البيانات بطريقة أو بأخرى حول هذه الإخفاقات، إلا أنه تتم مناقشتها في مجلس الشورى بشكل خجول، إذ لا يحرج المجلس بها الوزارات، في حين أن الأرقام تدين الوزارات، ولا تجاملها.

بدوره قال الدكتور فلالي إنه في الوقت الذي سنصل فيه قريباً إلى الخطة العاشرة للتنمية، نرى أن هناك كثيرا من الخطط التنموية الطموحة يتحقق منها القليل ولم يتحقق منها كثير، مضيفاً: "في مجتمعاتنا ومجتمعات الدول النامية نحب أن نظهر ما تم إنجازه فقط، وهو ما يطلق عليه في الاقتصاد بـ"الأفيال البيضاء"، إذ إن الأفيال البيضاء لا وجود لها ولكن لأن لونها جذاب نحب ذكرها متجاهلين اللون الحقيقي لها وهو الرصاصي.

وأكد فلالي على أن المملكة تملك كثيرا من مقومات النجاح من موارد مالية وطاقات بشرية، مستدركاًً وجوب معرفة الاستفادة من الطاقة الكامنة في المجتمع، لكي تنجز خطط التنمية، مطالباً في الوقت عينه بتحقيق 80% على الأقل من خطط التنمية، إذ إن ما تم إنجازه لا يتجاوز 50%.


تشكيل اللجان


"إذا أردت أن تضيع مشروعا تنمويا فأسند تنفيذه إلى لجان"، بهذه الرؤية أجاب البوعينين عن اللجان التي توضع من وقت لآخر لحل المشاكل التي تصيب أداء الوزارات، إذ قال البوعينين إن أي لجان تشكل ستنبثق عنها لجان أخرى ثم ننتهي بلا شيء، مضيفاً أن الأمر الأمثل هو التحول إلى البرامج والمشروعات، مستشهداً بما قامت به شركة أرامكو عندما أرادت إنشاء "بترورابغ"، إذ عهدت بهذا المشروع الضخم إلى مدير مشروع واحد وهو أحد موظفي "أرامكو"، والذي وضع له هدفا محددا، ونفذ المشروع في وقته المحدد، مشيراً في الوقت ذاته إلى نجاح أعمال أرامكو والهيئة الملكية للجبيل وينبع، والتي ينبغي أن تكون مثالا تحتذي به الوزارات.


تنويع مصادر الدخل


في الوقت الذي يتفق فيه الخبراء حول ضعف أرقام تنويع مصادر الدخل، شدد البوعينين على ضرورة خفض مساهمة إيرادات النفط في تمويل الميزانية من 92% للوصول بها إلى 50%، من خلال خفض 5% سنوياً وتعويضها في قطاعات الإنتاج، في ظل وجود احتياطات كبرى، مضيفاً: "يجب أن نوسع قطاعات الإنتاج بما يضمن زيادة الناتج الإجمالي المحلي، وزيادة الصادرات غير النفطية، وهو ما سيخلق مزيدا من الوظائف وسيساعد على تحول الوظائف الحكومية إلى القطاع الخاص، كما أنه سيخفض من التزامات الدولة مستقبلاً فيما يتعلق ببند الرواتب".

وفي رد البوعينين على سؤال حول تحقيق تنويع مصادر الدخل لأرقام كبيرة في العامين الماضيين مقابل عامي 2003 و2004، وأن سبب بقاء رقم تنويع الدخل عند أرقام دنيا، يعود إلى ارتفاع إنتاج وأسعار النفط، قال إن ذلك يعد التفافا على البيانات، مضيفاً: "ومن يقول بهذا الكلام لا يقدم معلومة نزيهة، نحن نتحدث عن الدخل بشكل عام كنسبة وتناسب، فطالما أن إيرادات النفط تشكل 92%، فهذا يدل على خلل كبير خاصة أن ميزانية الدولة لم تتوقف عندما كانت عليه، بل ترتفع بارتفاع الإيرادات، ولو انخفضت أسعار النفط ستتقلص الميزانية، وتقلص الميزانية لن يكون هيناً في عملية التنمية، لا سيما وأن الدولة تحملت في بند الرواتب حملا كبيرا، وأي تغير في إيرادات النفط مستقبلا سيمثل صدمة قوية للحكومة في توفير الأموال اللازمة لتسديد هذه الرواتب".

وأضاف البوعينين: "إن لم يكن هناك إنتاج في البلد، ولم تكن هناك صادرات ولا دخل يأتي من خارج إطار النفط، فنحن مقصرون في جانب التخطيط".


رؤية شاملة


وعن معالجة هذه الإشكالات، طالب البوعينين بأن يتحرك المجلس الاقتصادي الأعلى لوضع رؤية شاملة لمستقبل المملكة من الناحية الاقتصادية وأن توضع الاستراتيجية الوطنية للتنمية وفق رؤية حديثة للانتقال إلى المرحلة الثانية، وتكون جميع الوزارات ملزمة بتبني هذه الاستراتيجية وتنفيذها بالتكامل فيما بينها وإزالة جميع العقبات منها، بحيث لا يتردد وزير في وزارة عن خدمة هذه الأهداف والخطة التي وضعت لتطوير البلد.

كما دعا البوعينين إلى أن تعتمد الإستراتيجية الوطنية التنموية الشاملة على جانبين أساسين الأول التعليم وهذا التعليم ليس ما يحدث الآن من هدر في الأموال، بل تطوير التعليم الحقيقي، عبر اقتباس أي من التجارب الناجحة في العالم وتطبيقها محلياً بحذافيرها ثم إضافة ما تحتاجه الثقافة الإسلامية والعربية في المجتمع.

أما الجانب الثاني فيتمثل برأي البوعينين في التنسيق الكامل من قبل الوزارات لتفعيل هذه الإستراتيجية والوصول بها إلى مستويات متقدمة.