مشاهدة دينزل واشنطن تجلب البهجة.. تعبيراته فيها "عادية" البشر وأحيانا سذاجتهم وغضبهم الأولي المباشر وانكسارهم.. تركيبة توهمك وتربكك وتدلك.. موهبته فيها عمق، وقدرته هائلة على تلبس الانفعالات الدفينة وعكسها دون دموع، مما صنع له حضورا واسعا وتأثيرا دفعه إلى صدارة نجومية السينما.
في "جون كيو" هو الأب الذي ينحو إلى أقصى درجات العنف بحثا عن فرصة لإنقاذ طفله، والد مقهور يختطف مستشفى بحثا عن سرير، وفي "الإعصار" مأساة رياضي ألقت به العنصرية خلف القضبان ثلاثين عاما مجردة إياه من لقبه المستحق، وقبل ذلك إنسانيته، وفي"يوم تدريب" هو الشرطي الذي لا يتوانى عن فعل كل شيء من أجل منافعه الصغيرة وفساده المتعاظم، أما في "مالكوم إكس" فيعكس الانتقالات الفكرية التي عاشها داعية حقوق الإنسان، ورحلته التي انتهت بسقوطه صريع الرصاص المتطرف، أما في "المجد" فهو الجندي في الجيش الوطني الأميركي الذي يقاتل لتحقيق مبادئ الحرية والعدالة.
يلحظ كل من شاهد أعمال واشنطن أنها مهمومة بمسألة العنصرية والثمن الذي دفعه الأميركيون من أصل أفريقي في دربهم الطويل للوصول إلى المساواة، وأظن أن الرجل معني بالمسألة كثيرا لدرجة طغت على مجمل أعماله، كما أنه ليس نجما ذا نزعات تجارية مثل: ويل سميث، أو جايمي فوكس، أو صاحب أدوار مركبة ككريس وايتاكر.. حالة أقرب إلى انتوني هوبكينز في الموهبة، والمخرج نيل جوردان في وحدة القضية، لكن ـ في كل الأحوال ـ الناتج مدهش ومبهج، لأننا أمام موهبة كبيرة تقول لنا في كل دور وأداء إن السينما فن الأحلام الممكنة والمستحيلة في آن، حيث الميزانيات الهائلة لا تصنع النجوم، وإن تسطيحات "التجارية" وتهويمات السوق لا تقيم مسيرة ولا تشيد سيرة، وإن شيئا من التطرف المجنون والالتزام الصارم قادر على صناعة الاستثناء، وإن دينزل واشنطن ـ بنضاله الطويل في الصناعة السينمائية التي تخضع لضغوطات العنصرية ـ استطاع النفاذ، ونادرون هم الذين يفعلون ذلك.